"اشتريت شقة منذ عدة أيام بعد أن اتفقت مع صاحب العقار على سداد المبلغ كاملاَ على دفعتين، وبالفعل سلمت له الدفعة الأولى من المبلغ المتفق عليه، ومن المقرر أن أسلم له الدفعة الثانية خلال عدة أسابيع، إلا أن أحد الأصدقاء نصحني بألا أدفع له باقي الثمن حتى يقوم بإدخال المرافق المتفق عليها في العقد، وذلك حتى لا أتعرض لأي عملية نصب".. بهذه الكلمات بدأ الشاب "وائل.ش"، سرد مشكلته لـ"اليوم السابع" مع صاحب العقار فى محاولة لإيجاد حلول قانونية معه.
وتابع: "على الفور قمت بالاتصال بصاحب العقار وأخبرته بأنني لن أسدد باقى ثمن الشقة حتى يقوم هو بإكمال المرافق المتفق عليها من واجهة للبيت وتركيب الأسانسير، مع الأخذ فى الاعتبار أن البائع اشترى العقار من مالك أصلى لم يسجل له العقد هو الأخر، والسؤال الذى يطرح نفسه هنا هل يجوز لى حبس باقى الثمن من الناحية القانونية خاصة أنه لم يتم حتى تلك اللحظة تسجيل العقد؟ وكيف أضمن حقى؟".
هل يجوز للمشترى حبس ثمن المبيع عن البائع؟
وللإجابة على هذا السؤال – يقول الخبير القانوني والمحامى بالنقض دانيال شفيق – أنه من حق المشترى فى حبس باقى الثمن حتى يقوم البائع بتسجيل عقد مشتراه من المالك الأصلي، وذلك نتيجة وجود سبب جدى يخشى معه نزع المبيع من تحت يده طبقا للمادة 457/2 مدنى، وعلم المشترى وقت الشراء بهذا السبب لا يدل بذاته على نزوله عن حق الحبس، كما أن تقدير جدية السبب الذى يولد الخشية فى نفس المشترى من تحت يده من سلطة قاضى الموضوع، أما عدم تسجيل البائع عقد مشتراه من المالك الأصلي خطر جدي يهدد المشترى بنزع المبيع من تحت يده، وبذلك يحق للمشترى في حبس باقي الثمن حتى يزول الخطر .
وبحسب "شفيق" فى تصريح لـ"اليوم السابع" - مفاد نص المادة 457/ 2 من القانون المدني - أن المشرع أجاز للمشتري الحق في حبس الثمن إذا تبين له وجود سبب جدي يخشى معه نزع المبيع من تحت يده، فمجرد قيام هذا السبب لدى المشتري يخول له الحق في أن يحبس ما لم يكن قد أداه من الثمن ولو كان مستحق للأداء حتى يزول الخطر الذي يتهدده وعلم المشتري وقت الشراء بالسبب الذي يخشى معه نزع المبيع من تحت يده لا يكفي بذاته للدلالة على نزوله عن هذا الحق، وذلك لأنه قد يكون محيطاً بالخطر الذي يتهدده، ويكون في ذات الوقت معتمداً على البائع لدفع هذا الخطر قبل استحقاق الباقي في ذمته من الثمن.
تصدى محكمة النقض للأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدى للأزمة فى الطعن المقيد برقم 390 لسنة 39 القضائية – جلسة 25 نوفمبر 1974 حيث قالت فى حيثيات الحكم لم يقصر المشرع في المادة 457/ 2 من القانون المدني حق المشتري في حبس الثمن على وقوع تعرض له بالفعل، وإنما أجاز له هذا الحق أيضاً ولو لم يقع هذا التعرض، إذا تبين له وجود سبب جدي يخشى معه نزع المبيع من تحت يده، وتقدير جدية السبب الذي يولد الخشية في نفس المشتري من نزع المبيع من تحت يده هو من الأمور التي يستقل بها قاضي الموضوع، ولا رقابة عليه في ذلك لمحكمة النقض متى أقام قضاءه على أسباب سائغة تكفي لحمله - وإذ كان ذلك - وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى في استدلال سديد، إلى أن عدم تسجيل الطاعن عقد مشتراه العرفي من المالكين الأصليين من شأنه أن يولد في نفس المطعون ضده خشية جدية تؤذن بنزع العقار من تحت يده، فإن ما يثيره الطاعن بعد ذلك بشأن جدية هذه الخشية لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً لا يقبل أمام محكمة النقض.
ووفقا لـ"المحكمة" - التزام المشتري بدفع الثمن في عقد البيع يقابله التزام البائع بنقل الملكية إلى المشتري، فإذا وجدت أسباب جدية يخشى معها ألا يقوم البائع بتنفيذ التزامه، كأن يكون غير مالك للعقار المبيع، كان من حق المشتري أن يقف التزامه بدفع الثمن حتى يقوم البائع من جهته بتنفيذ التزامه، ولما كان الثابت من الحكم المطعون فيه أن الطاعن لم يسجل عقد مشتراه من المالكين الأصليين حتى يستطيع بدوره نقل ملكية العقار المبيع إلى المطعون ضده، بل ظل هذا العقار على ملك المالكين الأصليين مع قيام خطر التصرف فيه إلى الغير بعقد مسجل مما يتهدد المطعون ضده بنزعه من تحت يده، لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه، إذ انتهى في قضائه إلى أن من حق المطعون ضده حبس باقي الثمن حتى يقوم الطاعن بتسجيل عقد مشتراه من المالكين الأصليين، لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه.
الخلاصة: حق المشتري في حبس الثمن.
أولا: حالات ثبوت حق المشتري في حبس الثمن .
طبقاً للمادة 576 من القانون المدني، يحق للمشتري حبس الثمن في الحالات الآتية:
1- إذا تعرض أحد للمشتري في وضع يده على المبيع بدعوى حق سابق على البيع أو ناشئ من البائع، إلا انه إذا وقع التعرض في جزء من المبيع، فلا يجوز للمشتري أن يحبس عن البائع سوى قيمة هذا الجزء .
2- إذا وجدت أسباب يخشى معها على المبيع من أن ينتزع من تحت يد المشتري على أن تكون هذه الخشية مبنية على أسباب جدية، كظهور عدم عائدية المبيع للبائع أو ظهور حق رهن على المبيع .
3- إذا كشف المشتري عيباً خفياً في المبيع يوجب ضمان البائع.
ويلاحظ على هذه الحالات أنها تتصل بضمان التعرض الصادر من الغير وضمان الاستحقاق وضمان العيوب الخفية، وإزاء ذلك يثور التساؤل عما إذا كان حق المشتري في حبس الثمن قاصراً على الحالات التي وردت في المادة 576 أو أنه من الجائز أن يتعداها إلى جميع الأحوال التي يقع فيها إخلال من جانب البائع بالتزاماته كإخلاله بالتزامه بالتسليم أو التزامه بعدم التعرض الشخصي؟
أن حق المشتري في حبس الثمن في الحالات المنصوص عليها في المادة 576 من القانون المدني لا يعدو أن يكون تطبيقاً من تطبيقات القواعد الخاصة بالدفع بعدم التنفيذ، لذلك فأن للمشتري الحق في حبس الثمن في جميع الحالات التي يتحقق فيها عدم وفاء البائع بأي من التزاماته الناشئة عن عقد البيع، ولكي يستطيع المشتري حبس الثمن في الأحوال التي يجوز فيها ذلك ،يشترط ان لا يكون هناك اتفاق بين البائع والمشتري على خلاف ذلك، لأن القواعد المتعلقة بحبس الثمن ليست من النظام العام .
ثانيا: حالات سقوط حق المشتري في حبس الثمن .
يسقط حق المشتري في حبس الثمن في الحالات الآتية:
1- إذا تنازل المشتري صراحة أو ضمناً عن حقه في حبس الثمن.
2- إذا زال سبب ثبوت حق المشتري في حبس الثمن، كما لو زال خطر الاستحقاق أو انقطع التعرض أو قام البائع بإصلاح العيب الذي كشفه المشتري.
3- إذا قدم البائع للمشتري كفيلاً يضمن له ما عسى أن يرجع به على البائع.