منذ إجراءات الغلق التى اتخذتها الحكومة المصرية فى مارس الماضى، وكان القرار هو غلق جميع قاعات المناسبات الخاصة بالإفراح، وذلك منعا للتجمعات التى تحدث فى هذه المناسبات، خوفا من تفشى عدوى الإصابة بفيروس كورونا المستجد "كوفيد-19"، وهو ما تسبب فى تأجيل الكثير من حفلات الزفاف.
لكن البعض الآخر خالف تلك الإجراءات، وقام بعمل حفلات الزفاف فى الساحات الخالية، أو بيوتهم، وبالمناسبة بعد تلك الحفلات تسببت فى زيادة عدد الإصابات، ووقوع حالات وفاة، مثلما حدث فى منطقة بهتيم بشبرا الخيمة، التى تسببت حفل زفاف فى وقوع إصابات وعدد كبير من الوفيات، وقامت الإدارة الصحية بإغلاق شارعين حينها لمدة 14 يوم، خوفا من تفشى العدوى بالمنطقة، التى شهدت ارتفاع ملحوظ فى الإصابات.
ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه، فقد كانت حفلات الزفاف، وكذلك تصرفات المراهقين، سببا فى عودة انتشار الوباء، وكذلك ساعدت على عودته فى موجة أخرى، بعد تراجعه فى فترات سابقة.
وفى كتاب "عودة الموت الأسود: أخطر قاتل على مر العصور" يحكى المؤلفان سوزان سكوت وكريستوفر دنكان، قصة الكاهن ويليام مومبسون، الذى اقترح على أهل قرية إيم بمقاطعة دربيشير، أشهر قرية ضربها الطاعون على الإطلاق، خلال العصور الوسطى، بإغلاق القرية وعدم استقبال أى شخص أجنبى من خارج القرية، وعدم إقامة أى تجمعات حفاظا على أنفسهم من المرض، لكن إصرار البعض على القيام بتصرفات خاطئة، جعل الموت يخيم على القرية.
ويذكر المؤلفان، أنه مع اقتراب الشتاء، لاحظ مومبسون أن الوباء يخمد على ما يبدو، لكن هذا لم يحدث؛ لأن المراهقين ساعدوا على استمراره؛ فقد انتقلت العدوى إلى إليزابيث وأرينجتون من هيو ستابز في الثالث والعشرين من أكتوبر؛ وكانا كلاهما في الثامنة عشرة من العمر وفي الغالب كانا حبيبين، كانت إليزابيث حلْقة ربط مهمة في السلسلة؛ فحالات الوفاة القليلة التي حدثت في نوفمبر وديسمبر بسبب الطاعون كانت إليزابيث مصدرها جميعًا.
اجتاز المرض الشتاء في إيم بصعوبة؛ فقد استمر خط العدوى على نحو واهن طَوال الفترة الطويلة الممتدة من ديسمبر ١٦٦٥ حتى مايو ١٦٦٦، التي حدثت خلالها وَفَيَات قليلة من الطاعون.
كان زفاف إليزابيث سيدول حدثًا خطيرًا، فهناك انتقلت العدوى إلى إيزاك ثورنلي، البالغ من العمر ثلاثة عشر عامًا، من إيموت سيدول، وبعد موت إيموت أصبح إيزاك حلْقة الوصل الوحيدة الباقية على قيد الحياة في سلسلة العدوى، ولو كانت العدوى قد توقفت عنده لما كان هناك وباء، إلا أنه نقل العدوى إلى نحو ١٥ إلى ١٨ شخصًا آخر، وانفجر وباء الصيف بوَفَيَات مرعِبة، ووصل الوباء ذروته في أغسطس ثم انحسر تدريجيا.
الموت طال أسرة الكاهن "مومبسون" فعندما وجد أن الطاعون لا يزال نشطًا، وإن كان على نحو واهن، في أوائل الربيع، وطلب من زوجته كاثرين أن تأخذ أطفالهما ويمكثوا عند أصدقائهما في يوركشير، إلا أنها عادت لتبقى إلى جانب زوجها بعد أن أَودعت أطفالها مكانا آمنا، وقد كلفها ذلك القرار حياتها.
أما القصة المؤثرة فهى قصة إيموت سيدول المؤثرة التي نجت كما رأينا من تفشي الطاعون في عائلتها في أكتوبر، كانت إيموت مخطوبة لرولاند توري الذي كان يعيش في ستوني ميدلتون، ضيعة تقع على بعد نحو ميل، وكان يأتي ليراها كل يوم إبان الشتاء، لكن عندما عاود الطاعون الاستشراء في الربيع اتفقا على أن يأتيا كل ليلة إلى الجانبين المتقابلين لوادي كوكلت دلف، وهو مدرجات طبيعية، ويتواصلان بالصياح والإشارات، حضرت إيموت مراسم زواج أمها، التي كانت قد نجت أيضا من موجة الوباء الأولى، والتي عاودت الزواج ثانية في الرابع والعشرين من أبريل عام ١٦٦٦، في الليلة التالية للزفاف، أخلفت إيموت موعد اللقاء؛ إذ انتقلت العدوى إليها بالفعل وأُصيبت بإعياء شديد، توقع رولاند أسوأ الاحتمالات، إلا أنه استمر في المجيء إلى وادي كوكلت دلف كل ليلة، وعندما رحل الطاعون أخيرًا ورُفع طوق الحَجْر الصحي، كان رولاند أول من هُرِعَ إلى القرية. والأمر المفجع أنه وجد أن إيموت كانت قد فارقت الحياة ومنزلها كان خاويًا.