يحدث، الآن، فى أمريكا تظاهرات فجرها مقتل مواطن أمريكى من أصل أفريقى يدعى "جورج فلويد" فى "مينيابوليسن" على يد الشرطة الأمريكية، وترتب على ذلك غضب العديد من الأمريكان السود الذين خرجوا للتعبير عن رفضهم لتعامل الشرطة وللعنصرية التى تمارس ضدهم من قبل المؤسسات، وقد ارتكب بعضهم أخطاء بالاعتداء والسرقة وتحطيم الممتلكات، ومن جانبه هدد الرئيس الأمريكى "دونالد ترامب" بأنه سوف يسمح بنزول الجيش الأمريكى للسيطرة على الوضع.
ولم يكتف ترامب بذلك، لكنه ردا على حريق حديقة بالبيت الأبيض، خرج مترجلا إلى شارع رئيسى محيط بالبيت الأبيض، ووقف وحيدا على قارعة الطريق يحمل الإنجيل ويرفعه عاليا، ثم وقف أمام الكنيسة مجاورة للبيت الأبيض ورفع الكتاب المقدس قائلا "إن بلاده ستكون أعظم"، وهذا التصرف يدل على أن الأمور سوف تحتدم فى الفترة المقبلة، ولن تهدأ بسهولة، لأن دخول الرموز الدينية ساحة المعركة، لن يمر أبدا مرور الكرام، هذا ما يقوله التاريخ:
القرآن على أسنة السيوف فى موقعة التحكيم
قتل سيدنا عثمان بن عفان فى عام 35 هجرية، واندلعت فتنة كبرى أخذت خيرة الصحابة رضوان الله عليهم، خاصة بعدما خرج معاوية بن أبى سفيان على الخليفة الإمام على بن أبى طالب، مطالبا بثأر "عثمان بن عفان" وهو الأمر الذى كان من الصعب تحقيقه بشكل مباشر لأن مقتل الخليفة الثالث كان أثناء ثورة.
واشتعلت الحرب بين الإمام على ورجاله من ناحية ومعاوية وفريقه من ناحية أخرى، ثم كانت معركة صفين فى عام 37 هجرية وعندما أوشك جيش معاوية على الهزيمة رفعوا المصاحف فى وجوه فريق الإمام على فكف الناس عن القتال، وخرج من جيش معاوية من يطالب بالتحكيم بين الفريقين، وقد عرف الإمام على، كرم الله وجهه، أنها خديعة إلا أن الصحابة أصروا على قبول التحكيم فقبل به.
واجتمع الحكمان فى دومة الجندل، وكان عمرو بن العاص المفاوض من قبل جيش معاوية بن أبى سفيان، وكان أبو موسى الأشعرى المفاوض من قبل جيش على بن أبى طالب.
وقد كانت نتائح هذه الواقعة "صعبة" على التاريخ الإسلامى، حيث انشق جماعة من جيش الإمام على هم "الخوارج" مثلوا نوعا من التطرف فى التراث الإسلامى، وارتكبوا كوارث منها مقتل الإمام على فى عام 40 هجرية.
الحملات الصليبية 200 عاما من الخراب
فكرت أوروبا فى غزو الشرق والسيطرة على خيراته ولم تجد غير راية الصليب تضمن بها السمت الدينى الذى يحميها ويطلق الرغبة فى الاستحواذ تحت مسميات أخرى مثل طاعة الرب وحماية المقدسات.
وبدأت الحملات الصليبية بمباركة الفاتيكان فى عام 1096 لكنها لم تنته بسهولة فقد استمرت أكثر من 200 عام، هذه السنوات كانت صعبة على الشرق، فقد ضيعت المدن وقتلت الناس وهدمت العمران وأفنت مدنا وبلدانا كاملة.
ويكفى أن نذكر قصة واحدة عن بشاعة هذه الحروب:
فى سوريا يوم 12 ديسمبر من عام، 1098 أثناء الحملة الصليبية الأولى، وقعت واحدة من أشهر المجاز الإنسانية فى تاريخ العلاقة بين الشرق والغرب هى مذبحة "معرة النعمان"، حدثت المذبحة بعدما نجح الصليبيون فى حصار مدينة "معرة النعمان" فى سوريا، بعدما وصل إليها الصليبيون فحاصروها لأسابيع، ثم تفاوض أحد قادتهم مع أهلها وتعهد لهم بالأمان مقابل الاستسلام، إلا أن هؤلاء ما إن دخلوا المدينة حتى ارتكبوا المجزرة المرعبة، حيث قتل نحو 20 ألف إنسان من سكان المدينة.
وذكرت كتب التاريخ أن الجرائم وصلت حد أكل لحوم البشر، فيقول كتاب (الحروب الصليبية كما رآها العرب) لـ أمين معلوف "فى الأشهر الأولى من عام 1098 كان أهل المعرة قد تابعوا بقلق معركة أنطاكية التى تدور رحاها على مسيرة ثلاثة أيام فى الشمال الشرقى من مدينتهم، وقد قام الفرنج بعد فوزهم بنهب بعض القرى المجاورة دون أن يتعرضوا للمعرة، لكن بعض عائلاتها آثرت تركها إلى أماكن أكثر أمانا مثل حلب وحمص وحماة، ولقد اتضح أن مخاوفهم كانت فى محلها، حين حضر فى نهاية شهر نوفمبر آلاف من المحاربين الفرنج فأحاطوا بالمدينة".
ويتابع الكتاب "وجاء مساء الحادى عشر من ديسمبر، وكان الظلام حالكا، فلم يجرؤ الفرنج على التوغل فى المدينة، واتصل وجهاء المعرة بـ"بيمند" صاحب أنطاكية الجديد الذى كان على رأس المهاجمين، ووعد الزعيم الفرنجى الأهالى بالإبقاء على حياتهم إذا توقفوا عن القتال وانسحبوا من بعض الأبنية، واستكانوا بيأس إلى كلامه فاحتشدت العائلات فى بيوت المدينة وأقبيتها تنتظر طوال الليل وهى ترتعد".
وعند الفجر وصل الفرنج، يقول "ابن الأثير" "فوضع الفرنج فيهم السيف ثلاثة أيام فقتلوا ما يزيد عن مائة ألف وسبوا السبى الكثير"، ورغم أن أمين معلوف يشكك فى الرقم "مائة ألف" لكنه يؤكد وقوع الكارثة.
كما يورد الكتاب قول المؤرخ (راو لدى كين) الذى كتبه بعد تسع سنوات من وقوع المذبحة يقول "كان جماعتنا فى المعرة يغلون وثنيين (يقصد مسلمين) بالغين فى القدور ويشكون الأولاد فى سفافيد ويلتهمونهم مشويين".
كما يورد (أمين معلوف) رسالة وجهت إلى البابا فى وقتها وفيها "اجتاحت الجيش مجاعة فظيعة فى المعرة وألجأتهم إلى ضرورة جائرة هى التقوت بجثث المسلمين".
الغزوات العثمانية لـ العرب وأوروبا
من الحروب التى تحركت تحت راية الشعارات الدينية، ما فعلته الدولة العثمانية، تحت راية "الهلال" مع العلم بأن "الهلال" لم يكن فى الأصل رمزا مقدسا أو كشعار للهوية الإسلامية، فالهلال لا يمت للإسلام بصلة كشعار، إذ لم يرد شىء فى السيرة النبوية عن اتخاذ الهلال شعارا للإسلام، وبحسب أحمد حسين النمكى فى كتابه "الإسلام فى وجه الخطر الأوروبى" فلا الرسول ولا أصحابه اتخذوا الهلال شارة لهم".
وكانت الدولة العثمانية ذات توجه استعمارى واضح سعت منذ بدايتها وحتى ازدهارها فى القرن الخامس عشر والسادس عشر للسيطرة على العالم فسعت لاحتلال معظم الدول العربية وكذلك السيطرة على دول أوروبية كبرى، ودخلت فى معارك لا حصر لها مات فيها ملايين الأشخاص.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة