لازالت تتباين الأحكام القضائية حول جريمة التجمهر والإتلاف خاصة إذا ما تعلقت بالموظف العام حيث كان يتذرع الموظف أو العامل فى السابق بنص المادة الأولي من القانون 107 لسنه 2013 بشأن تنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات التي اشترطت أن تكون سلمية في المقام الأول دون أن يرى الموظف غضاضة في المشاركة بجريمة التجمهر والإتلاف.
محكمة النقض 12 أبريل 2017
فى التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" على مسألة فى غاية الأهمية حسمتها محكمة النقض خلال الأيام الماضية بشأن جريمة التجمهر والإتلاف حيث كانت محكمة النقض فى السابق تعتبر أن تلك الجريمة لا تعتبر من الجرائم الماسة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة ولا تعد إخلالاً من العامل بالتزاماته الناشئة عن عقد العمل، ولا ينطبق عليها نص المادة 129 من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003، وكذا لا ينطبق عليها نص المادة 69 من ذات القانون، وذلك طبقا للطعن رقم 14770 لسنة 85 القضائية جلسة 12 أبريل 2017.
محكمة النقض حديثاَ.. 16 أبريل 2019
بينما أرست الدائرة العمالية بمحكمة النقض فى حكم حديث لها فى الطعن المقيد برقم 2575 لسنة 88 ق جلسة 16 أبريل 2019 عدة مبادئ قانونية بالنسبة لجريمة التجمهر والإتلاف حيث قالت: "أن جريمة التجمهر من الجرائم المخلة بالشرف، وفصل الموظف بناء على صدور حكم جنائي نهائي بارتكابها يتفق مع صحيح القانون، حتى ولو برئ هذا الموظف من ارتكابها في درجات التقاضي اللاحقة".
محكمة النقض، بناءً على هذا المبدأ الجديد الصادر فى الطعن رقم 2575 لسنة 88 قضائية، قضت بتأييد فصل موظف عن عمله كمدير إدارة بشركة الإسكندرية للبترول، بعد صدور حكم جنائي بحبسه في قضية تجمهر واستعراض قوة، مؤكدة أنه رغم عدم وضع القانون تعريف محدد جامع مانع لمفهوم الجريمة المخلة بالشرف، إلا أن جرائم "التجمهر، استعراض القوة، وقطع الطريق، وإطلاق النار، وسفك الدماء"، تمثل تعطيلا لأحكام الدستور والقوانين ومنع مؤسسات الدولة والسلطات العامة من ممارسة أعمالها والإضرار بالسلم الاجتماعي، كما تُعد جرائم مخلة بالشرف.
التجمهر جريمة مخلة بالشرف وخيانة بالوطن
المحكمة فى حيثيات الحكم قالت أن جريمة التجمهر والإتلاف تُعد خيانة للوطن وخروجاً من العامل عن المسلك اللائق للحفاظ على كرامة العمل، وهي بذلك تُعد من الجرائم المخلة بالشرف، وكان ينبغي على المطعون ضده وهو من كبار العاملين بالشركة أن ينأى بنفسه عن مواطن الشبهات وعلى ذلك انتهت لجنة شئون العاملين إلى أن ما بدر من المطعون ضده يجعله غير أهل للثقة للعمل في مجال البترول وأوصت بإنهاء خدمته، فصدر قرار رئيس مجلس الإدارة بإنهاء خدمته لما مثله مسلكه من خطورة على أمن الشركة، الأمر الذي ينفى عنها شبهة أي خطأ يوجب التعويض وهو ما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه، وإلغاء حكم تعويضه 300 ألف جنية الصادر من محكمة الاستئناف بحجة فصله تعسفيا.
ووفقا لـ"المحكمة" - ذلك أن الشركة الطاعنة هي إحدى شركات القطاع العام للبترول التابعة لإشراف الهيئة المصرية العامة للبترول ويختص مجلس إدارتها بوضع اللوائح المتعلقة بنظم العاملين بها وإصدار القرارات اللازمة لحسن تسيير أعمالها وتحقيق أهدافها وتصريف أمورها المالية والإدارية والفنية مسترشداً في ذلك بلائحة الهيئة المصرية العامة للبترول الصادرة نفاذاً لأحكام القانون رقم 20 لسنة 1976 في شأن الهيئة المصرية العامة للبترول والتي تطبق على جميع العاملين في قطاع البترول وقد نظمت المادتان 110، 122 منها مسئولية العامل التأديبية وكيفية وقفه عن العمل وأسباب إنهاء خدمته، فنصت المادة (110) على أن:
أحكام القانون رقم 20 لسنة 1976
"كل عامل يحبس احتياطياً أو تنفيذاً لحكم جنائي نهائي يوقف عن عمله مدة حبسه ويوقف صرف نصف أجره في حالة حبسه احتياطياً أو تنفيذاً لحكم جنائي نهائي، ويحرم من کل أجره في حالة حبسه تنفيذاً لحكم جنائي نهائی، ويعرض الأمر عند عودة العامل إلى عمله على السيد رئيس مجلس الإدارة ليقرر ما يتبع في شأن مسئولية العامل التأديبية .... "، ونصت المادة "122" على أن تنتهي خدمة العامل لأحد الأسباب الآتية ... 8- الحكم عليه بعقوبة جناية في إحدى الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات أو ما يماثلها من جرائم منصوص عليها في القوانين الخاصة أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة ما لم يكن الحكم مع وقف التنفيذ ..."، بما مفاده أن لصاحب العمل أن يوقف العامل الذي يُحبس احتياطياً، كما أن له إنهاء خدمته إذا حكم عليه بعقوبة الجناية أياً كانت طبيعة هذه الجناية، لما لها من خطورة على أمن المجتمع، أو إذا حكم عليه بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، وناطت اللائحة بلجنة شئون العاملين - والتي تتكون من كبار العاملين بالشركة، فضلاً عن ممثل عن العمـــــال - أن تقرر بقرار مسبب منها ومن واقع أسباب الحكم الجنائي - أن بقاء العامل في الخدمة يتعارض مع مقتضيات الوظيفة أو طبيعة العمل.
العامل لم يعد أهلاً للثقة والأمانة الواجب توافرهما
لما كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أن لجنة شئون العاملين بالشركة الطاعنة قد قررت بتاریخ 25 يونيو 2014 فی شأن مسئولية المطعون ضده التأديبية والإدارية عن الأفعال المنسوبة إليه " التجمهر، استعراض القوة، قطع الطريق، إطلاق النار وسفك الدماء" وبإجماع الأراء – وبحصر اللفظ " أن بقاء المطعون ضده في عمله يتعارض مع مقتضیات وظيفته واعتبارات الصالح العام، وذلك في ضوء الظروف التي تمر بها البلاد، وأن المذكور لم يعد أهلاً للثقة والأمانة الواجب توافرهما في مثل طبيعة الأعمال بشركات البترول لما لها من أثر على الأمن القومي والخدمات الأساسية للمواطنين ، وانتهت اللجنة - لجنة شئون العاملين - إلى عرض الأمر علي رئيس مجلس الإدارة.
وبناءً على ذلك أصدر رئيس مجلس إدارة الطاعنة بتاريخ 16 يوليو 2014 القرار رقم 635 لسنة 2014 بإنهاء خدمة المطعون ضده بدءاً من 24 مارس 2014 تنفيذاً للحكم الجنائي النهائي الصادر بإدانته في القضية رقم 2945 لسنة 2014 جنح باب شرقي واستئنافها رقم 8570 لسنة 2014 مستأنف شرق الإسكندرية، مما مؤداه أن الطاعنة بكافة إداراتها قد ارتأت أن المطعون ضده - وهو من كبار العاملين بالشركة مدير إدارة بإدارة فصل الزيت بالمستوى الأول بقطاع المياه والمعالجة بالإدارة العامة للمرافق " وله مدة خبرة قاربت على الثلاثين عاماً لم يعد صالحاً للبقاء في عمله بالشركة بحسبان أنه قد صدر بحقه حكم بعقوبة في جريمة مخلة بالشرف والأمانة فضلاً عن فقدانه شرط حسن السمعة اللازم للتعيين والاستمرار في الوظيفة، وذلك اتساقاً مع ما استقرت عليه هذه المحكمة من أنه وإن كان المشرع لم يضع تعريفاً محدداً جامعاً مانعاً لمفهوم الجريمة المخلة بالشرف والأمانة إلا أنه يمكن تعريفها بأنها تلك الجرائم التي ترجع إلى ضعفٍ في الخلق وانحراف في الطبع " وهو ما ينطبــق علــى جرائم "التجمهر، استعراض القوة، قطع الطريق، اطلاق النار وسفك الدماء" والتي تُمثل تعطيلاً لأحكام الدستور والقوانين ومنعاً لمؤسسات الدولة والسلطات العامة عن ممارسة أعمالها واعتداءً على الحرية الشخصية للمواطنين و غيرها من الحقوق والحريات العامة التي كفلها الدستور والقانون فضلاً عن الإضرار بالسلام الاجتماعي.
ومن ثم فإن استمرار المطعون ضده بعمله بعدما ألحقت به تلك التهم المسيئة للسمعة والماسة بالشرف يتعارض مع طبيعة عمله بالشركة الطاعنة، لأنه اقترف من الجرائم ما يسيء إليه وإلى الجهة التي يعمل بها، منحرفاً بسلوكه عن الخلق القويم الواجب التحلي به وهو ما يفقده الثقة والاعتبار المفترضين في أداء الواجب المنوط به، ومن ثمَّ كان حتماً مقضياً على جهة عمله إنهاء خدمته بعد ما نسب إليه من جرائم تحط من قدر مرتكبها، وتتنافى ومقتضيات وظيفته، ومن ثمَّ يضحى قرار فصله من العمل متفقاً وصحيح حكم القانون، ولا ينال من ذلك أنه قد حصل على البراءة – فيما بعد إذ لا يؤثر ذلك على صحة وسلامة قرار إنهاء خدمته وقت صدوره لما هو مقرر من أن العبرة في سلامة قرار إنهاء الخدمة وما إذا كان صاحب العمل قد تعسف في ذلك من عدمه هی بالظروف والملابسات التي كانت محيطة به وقت صدوره لا بعده.
حكم آخر لمحكمة النقض
هذا وقد سبق لمحكمة النقض بأن أصدرت حكماَ بشأن سلطة صاحب العمل فى إنهاء عقد العمل بسبب جريمة التجمهر والإتلاف، قالت فيه: "أن الحكم بعقوبة جناية أو بعقوبة مقيدة للحرية فى جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة ما لم يكن الحكم مشمولاً بوقف التنفيذ من أسباب انتهاء خدمة العامل مادة 129 ق 12 لسنة 2003 مع اختلاف هذا الإنهاء عن الفصل التأديبي مادة 69 من ذات القانون، وذلك مع عدم اعتباره تطبيقاً لنظرية الفسخ للإخلال بالتزام يرتبه العقد، واعتباره حق استثنائي مقرر لصاحب العمل صيانة لسمعة المنشأة، وعلة ذلك أن جريمة التجمهر والإتلاف عدم اعتبارها جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة أو إخلالاً بالتزامات ناشئة عن عقد العمل".
المحكمة فى حيثيات الحكم المقيد برقم 14770 لسنة 85 جلسة 12 أبريل 2017 قالت أن النص فى المادة 129 من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 على أنه: "لصاحب العمل أن ينهى عقد العمل ولو كان محدد المدة أو مبرماً لإنجاز عمل معين إذا حكم على العامل نهائياً بعقوبة جناية أو بعقوبة مقيدة للحرية فى جريمة ماسة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة، وذلك ما لم تأمر المحكمة بوقف تنفيذ العقوبة"، يدل على أن المشرع جعل الحكم على العامل بعقوبة جناية سبب لانتهاء الخدمة أياً كان نوع الجناية ولم يجعل الحكم عليه بعقوبة مقيدة للحرية غير عقوبة الجناية سبب لانتهاء الخدمة إلا إذا صدر فى جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة ما لم يكن الحكم مشمولاً بوقف التنفيذ هذا.
المادة 69 من القانون 12 لسنة 2003
ولما كان الفصل - بحسب "الحيثيات" - لهذا السبب يختلف عن الفصل التأديبي الذى وردت حالاته بالمادة 69 من القانون 12 لسنة 2003 ولا يعتبر تطبيقاً لنظرية الفسخ للإخلال بالالتزام لأنه لا يشترط أن تكون للجريمة التى ارتكبها العامل صلة بعمله أو بصاحب العمل فلا يكون هناك إخلال بالتزام يرتبه العقد وإنما الفصل فى هذه الحالة لا يعدو أن يكون إلا ممارسة لحق استثنائي فى الإنهاء قرره المشرع لصاحب العمل صيانة لسمعه المنشأة التى قد يسيئ إليها أن يبقى بها عامل ثبت جرمه بحكم نهائى فى جناية أو فى جنحة ماسة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة .
إذ كانت جريمة التجمهر والإتلاف موضوع الجنحة المشار إليها بوجه النعى لا تعتبر من الجرائم الماسة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة ولا تعد إخلالاً من الطاعن بالتزاماته الناشئة عن عقد العمل، ومن ثم فإن دعوى الشركة المطعون ضدها بطلب فصل الطاعن من العمل لديها للحكم عليه بعقوبة الحبس لارتكابه جريمة الجنحة سالفة الذكر فاقدة لسندها القانونى، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر واعتبر إدانة الطاعن بجريمة التجمهر خطأ جسيماً من شأنه أن يضر بسمعة الشركة المطعون ضدها وبالعاملين بها وتفقدها الثقة فيه ويبرر لها طلب فصله من العمل لديها وفقاً للمادة 69 من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 دون أن يقيم الدليل على ما ذهب إليه فى هذا الشأن فإنه يكون فضلاً عما شابه من فساد فى الاستدلال قد أخطأ فى تطبيق القانون - هكذا قالت المحكمة .