رواية "ضمير السيد زينو" واحدة من الأعمال الأدبية الخالدةً فى المكتبة العالمية والتى ارتقت بمؤلفها ايتالو سفيفو إلى مستوى الأدباء الكلاسيكيين بالنسبة للأدب الإيطالى المعاصر، وصنفت الرواية ضمن أفضل 100 عمل أدبى على مر العصور وفقًا لمكتبة بوكلوين.
والرواية هى تسريب لمذكرات شخصية لمريض إيطالى اسمه "زينو"، من قبل طبيبه الذى نعرفه باسم "س"، وفعل ذلك انتقامًا من مريضه الذى تركه فى ذروة تحليله النفسي، وهو يوشك على كشف علمى كبير، واختفى، وكان الطبيب النفسى قد طلب من مريضه المسن أن يكتب مذكراته لمساعدته فى التخلص من حالة الشك والتردد التى يعانى منها، آملًا أن تساعده هذه الطريقة بتذكر مراحل مبكرة من طفولته وتكون شخصيته.
وهنا يغرق القارئ فى دوامة من الأكاذيب والأحداث المتخيلة التى يسحبه إليها مريض نفسى، فلا تنتهى من صفحة، حتى يفاجئك فى الصفحة التى تليها أنه مجرد كاذب، باعترافاته نفسه، وبشكل صادم دومًا، وكأنه يفعلها كل مرة، للمرة الأولى، والرواية فرصة للتعرف إلى النفس البشرية بكل تشوهاتها، والتى تتقاطع مع قرائها حتمًا بشكل أو بآخر، يمكن اعتبارها تمرين على أقصى درجات الصراحة، الصراحة مع الذات.
يُعلن كاتب المذكرات كراهيته لوالده، وندمه الذى يحطمه بعد وفاته، وتمنيه السوء لكل شخص يصادفه أبرع منه فى أى مجالٍ كان، لا سيما أولئك الشبان الوسيمين الذين ينالون حظوة لدى الفتيات.
ويقدم المؤلف فى روايته نموذجاً إنسانياً يعيش ضمن موجة الشكوك النفسية التى رافقت عصر الحداثة، ويفتقر للموضوعية والتوازن الذى نعم بهما بطل الرواية فى العصر السابق. وتمكّن الكاتب من رصد هذه الإشكاليات الأخلاقية التى رافقت التحولات الجذرية فى المجتمع الإيطالي، والتغير الذى طرأ عليه إبان إنتقاله إلى الحقبة الصناعية من حيث القيم والمبادئ المدنية.
وبحسب مترجم الرواية معاوية عبد المجيد: "وتمكّن الكاتب من رصد هذه الإشكاليات الأخلاقية التى رافقت التحولات الجذرية فى المجتمع الإيطالي، والتغير الذى طرأ عليه إبان انتقاله إلى الحقبة الصناعية من حيث القيم والمبادئ المدنية.
وتابع: "ولابدّ أنه قرأ واقعه الشخصى ليتنبأ بالاضطرابات القادمة، حيث كان والده نمساوياً وأمّه إيطالية؛ فهو يعتبر الألمانية والإيطالية لغتيه الأم، واختار لنفسه اللقب "إيتالو سفيفو" بناء على ذلك: "إيتالو" تعنى (إيطالي)، و"سفيفو" تعنى (جرماني). وكان يهودى الأب والأم، لكنه اعتنق الكاثوليكية قبيل زواجه.
وأوضح: وإلى جانب الانتماء الديني، كان سفيفو – من خلال آرائه وكتاباته الأدبية والفكرية – ينتقل بين مدارس الفلسفة الأوروبية. فهو من أوائل الملاحظين لسوء الفهم الذى تعرضت له فلسفة نيتشه فى التأويل الفاشى والنازي، ودعا إلى تناول فكرة الإنسان المثالى بعمق. وأشاد بالعَود الأبدي، وبضرورة اعتبار (الوجود–الفناء)، (السلام-النزاع)، (المرض-العافية)، كثنائيات حتمية لا تقصى بعضها ضمن كيانها الواحد إنما تتصارع وتتفق وتتبادل الصلاحيات خلال ديمومة الزمن. بل تفاءل فى خلود الخير والشرّ على حدّ سواء، وانتقد حصرهما بأطراف متناحرة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة