تناولت مقالات صحف الخليج، اليوم السبت، العديد من القضايا المهمة، وأبرزها أن الديمقراطية فى الغرب لم تعد تحمل القيم نفسها التى دعت إليها فلسفات الأنوار والعقد الاجتماعى فى أوروبا، حيث أسهمت التطورات السياسية والمجتمعية وحتى الصحية التى شهدها العالم خلال العقود والسنوات الأخيرة، فى إعادة النظر فى الكثير من المُسلّمات الفلسفية المتعلقة بطبيعة وأشكال أنظمة الحكم فى العالم.
راجح الخورى
راجح الخورى: الكاظمى يهزّ المسمار الإيرانى
قال الكاتب فى مقاله بصحيفة الشرق الأوسط، إنه عندما استمع اللبنانيون يوم الثلاثاء الماضى إلى تصريحات رئيس الوزراء العراقى مصطفى الكاظمى، وهو يقف مع الرئيس حسن روحانى فى المؤتمر الصحفى بعد محادثاتهما فى طهران، تذكّر الكثيرون تلك العبارة المشهورة، التى قالها الجنرال ميشال عون فى مارس من عام 1989، بعد إعلانه حرب التحرير ضد الجيش السورى، الذى كان يسيطر على لبنان وهى "هزّ المسمار"، بمعنى أن حربه شارفت على اقتلاع مسمار الهيمنة السورية الذى كان قد دق إلى الأعماق.
لا تبدو هذه الذكرى غريبة على الإطلاق، رغم أن المسمار السوري لم يهتز عملياً فى ذلك الحين، بل تمكن من اقتلاع عون من بعبدا كرئيس للحكومة العسكرية، بعد الهجوم العسكرى وبالطيران، الذي استهدف قصر بعبدا فى 13 أكتوبر من عام 1990؛ ذلك أن الكاظمى، منذ تشكيله الحكومة العراقية فى السابع من مايو الماضى، قام بسلسلة من الإجراءات الوطنية واتخذ عدداً من القرارات الأمنية الداخلية، ونسج خريطة لتحركات سياسية خارجية، تدعو العراقيين مثل اللبنانيين إلى القول إن الكاظمي هزّ فعلاً المسمار الإيراني المغروز في عمق العراق، منذ قرار باراك أوباما الانسحاب من العراق في عام 2008.
من قلب طهران قال الكاظمى كلاماً لطالماً انتظره الشعب العراقى بسبب اتساع الهيمنة الإيرانية على العراق، وحيث يبدو الأمر مشابهاً تماماً للوضع في لبنان؛ ذلك أن فصائل "الحشد الشعبى" التي تأتمر بالإيرانيين، تشكّل جيشاً رديفاً للجيش العراقي، كما أن "حزب الله" بات يشكّل دولة داخل الدولة اللبنانية وله جيشه الذى يضاهى الجيش اللبنانى.
وقال الكاظمى إن الشعب العراقي توّاق إلى "إقامة علاقات تعاون مع إيران وفق خصوصية كل بلد، ووفق عدم التدخل في الشؤون الداخلية" ورد عليه روحاني بالقول إن "إيران مستعدة للوقوف إلى جانب الشعب العراقي لإرساء الأمن والاستقرار في العراق والمنطقة"، مشدداً على أن "العراق بلد عربي مهم، ويمكنه أن يلعب دوراً مركزياً في هذا الشأن".
الحسين الزاوى
الحسين الزاوى: الديمقراطية الغربية و"الاستبداد الناعم"
قال الكاتب في مقاله بصحيفة الخليج الإماراتية، إن الديمقراطية في الغرب لم تعد تحمل القيم نفسها التي دعت إليها فلسفات الأنوار والعقد الاجتماعي في أوروبا.
أسهمت التطورات السياسية والمجتمعية وحتى الصحية التي شهدها العالم خلال العقود والسنوات الأخيرة، في إعادة النظر في الكثير من المُسلّمات الفلسفية المتعلقة بطبيعة وأشكال أنظمة الحكم في العالم؛ إذ إنه وبعد حقبة طويلة من الفرز والفصل بين الشرق والغرب على أسس سياسية وأيديولوجية؛ اعتماداً على سجلات ثابتة، تحمل في معظم الأحايين صبغة القطعيّة، بين شرق ظل يوصف لقرون طويلة من الزمن بالاستبداد والشمولية، وغرب يُنعت بالديمقراطية والتعددية، وتسود فيه مبادئ احترام حقوق الإنسان، فإننا نعيش الآن مرحلة جديدة من الارتياب، بشأن معظم المُسلّمات الفكرية التي كنا نؤمن بها؛ بعد أن بدأ الاستبداد يدق أبواب الغرب؛ وبعد أن أسهمت التطورات العلمية والذكاء الاصطناعي في إحداث تحوّلات كبرى على مستوى بنية المجتمعات الشرقية.
ويمكن القول في المرحلة الراهنة إن الاختلافات بين أنظمة الحكم في الشرق والغرب ليست بدهية وحاسمة بالشكل الذي اعتدنا على ترديده والترويج له فكرياً وإعلامياً؛ حيث لم يعد الاستبداد في الشرق يحمل السمات التاريخية نفسها التي كنا نصف ونصنِّفُ بناءً عليها أنظمة الحكم في الشرق، كما أن الديمقراطية في الغرب لم تعد تحمل القيم نفسها التي دعت إليها فلسفات الأنوار والعقد الاجتماعي في أوروبا؛ حيث باتت المجتمعات الغربية أقل انفتاحاً، وأكثر عنفاً، وبخاصة في الدول التي تعرف انتشاراً كبيراً للتيارات اليمينية والشعبوية المتطرفة التي ترفض التعدد العرقي والثقافي والديني.
وعلى الرغم من كل هذه التطورات التي يعرفها المشهد العالمي على مستوى التقييم الموضوعي لأنظمة الحكم، فإن هناك الكثير من التصورات الغربية التي ما تزال متمسِّكة بتصنيفات تاريخية صارمة، قائمة ما بين شرق مستبد وغرب ديمقراطي، فقد أصدر في هذا السياق الباحث فرانك فابري كتاباً في سنة 2020 يحمل عنوان: جذور الاستبداد في روسيا، حاول من خلاله أن يبيّن أن روسيا وعلى الرغم من كونها قوة أوروبية كبرى إلا أنها تظل تمثل أرضاً خصبة للحكم الاستبدادي؛ لأسباب تاريخية، تعود إلى المراحل الأولى لتشكل الدولة في روسيا منذ بداية تعرضها للغزو المغولي ما بين سنوات 1223 و1240، ولجوئها إلى الانعزال؛ خوفاً من الغزو القادم من الشرق، ومن محاولات الاختراق الكاثوليكي القادم من الغرب، ويرى فابري في مؤلفه أن روسيا لم تتأثر؛ بسبب انغلاقها بمجمل التحولات الكبرى التي شهدتها القارة الأوروبية، وظلت متعايشة؛ نتيجة لهذه الأسباب التاريخية مع الحكم الاستبدادي من المرحلة القيصرية مروراً بالحكم السوفييتي ووصولاً إلى حكم بوتين.
إميل أمين
إميل أمين: ألمانيا.. نعم للحوار لا للتطرف
قال الكاتب في مقاله بصحيفة الاتحاد الإماراتية، تحمل الأخبار الآتية من عمق ألمانيا أخباراً مزعجة في الفترة الأخيرة. أخبار موصولة بارتقاء الجماعات الأصول اليمينية الألمانية التي تتهدد السلم والأمن المجتمعي في الداخل من جهة، وتقود إلى مخاوف عميقة يمكنها أن تمتد إلى بقية أطراف دول أوروبا من جهة ثانية، لا سيما وأن هناك حركات مماثلة في فرنسا وإيطاليا والمجر وبولندا، ويكاد الأمر يصبح تياراً كارثياً على القارة الأوروبية برمتها.
عدة أسئلة فلسفية تطرح نفسها بين يدي المشهد الألماني "هل يعيد التاريخ الألماني بنوع خاص نفسه، وهل كان حصاد النازية غير كاف، في النصف الأول من القرن العشرين ليعاد اختباره ومن جديد في القرن الحادي والعشرين؟"
القصة في بلاد الفوهور هذه الأيام مخيفة، فنحن لا نتحدث عن حركة "بغيدا" العنصرية من ناحية، ولا نتناول شأن حزب "البديل من أجل ألمانيا" من جهة أخرى، ذلك أن الأولى يمكن وضعها في عداد الجماعات المتطرفة، التي يمكن التعامل معها بقوة القانون، ومن ثم ضبط الخارجين عنه، وإعلاء شأن منظومة الضبط والربط في الدولة التي تمثل عمق قلب الاقتصاد الأوروبي النابض.
أما الثانية فهي حزب سياسي له وجوده وحضوره في دائرة الحياة السياسية، وحتى إن كان يمثل نوعاً من المخاطر المستقبلية، فإنه يمكن هزيمته بآليات الديمقراطية عينها التي جاءت بالمائة عضو من نوابه إلى البرلمان الألماني "البوندستاج"، وإبعاده عن المشهد السياسي عبر بدائل تبدأ من عند صندوق الاقتراع.
الكارثة الحقيقية التي لم يتلفت إليها كثيرون، ربما لأنها جاءت وسط زخم جائحة كورونا، ذلك الرعب الذي نزل بالبشر مرة، ولا يعلم إلا الله نهاية مساراته ومساقاته، إنما تمثل في ما أعلنته وزيرة الدفاع الألمانية "أنجريت كرامب – كارنباور" مطلع يوليو الجاري، بشأن حل وحدة للقوات الخاصة بالجيش الألماني والسبب تغلغل اليمين المتطرف بين أعضائها.
والتساؤل المرعب:كيف وصل التطرف اليميني إلى عمق الوحدة الخاصة الألمانية المسماة كيه إس كيه، وهل حدث الاختراق عينه لوحدات أخرى لم تعرف بعد؟
الجواب مخيف في واقع الحال، ذلك أنه إذا كان التطرف اليميني الذي يحوي منظومة ترفض الآخر المغاير عرقاً، حتى بين الأوروبيين، ناهيك عن رفضها للإسلام والمسلمين، وعلى الأراضي الألمانية أكثر من خمسة ملايين مسلم، وتأخذ موقفاً عدائياً إلى أبعد مدى من فكرة الهجرة، وتعتدي على المهاجرين، وتود لو قدر لها إلقائهم في اليم، نقول إذا كان ذلك التيار قد بلغ عمق الوحدات التي تجد رعاية خاصة، وأيضاً رقابة متميزة لأهميتها، فكيف يمكن أن يكون الحال ببقية الوحدات العسكرية الألمانية الاعتيادية؟
القضية جد خطيرة، ولهذا تعالت الأصوات في الداخل الألماني تنادي بأنه لابد من فتح أبواب الحوار واسعة بين الألمان أنفسهم، ومع غيرهم من الأجناس والأعراق، فالمستقبل على هذا النحو الأحادي من الغلو والتطرف يمكن أن يكون كارثياً، وعدم التصدي للنازية كلف ألمانيا خسائر فادحة عبر عقود طوال.
الحوار وليس التطرف شيمة الإنسانية المتحضرة أمس واليوم والى الأبد.