نقرأ معا كتاب " نظرية المعلم مغامرة البشرية منذ البدايات الأولى إلى المعاصرة"، تأليف "سيفى سيفى"، ويناقش الكتاب عددا من الأسئلة المهمة المرتبطة بوجود الإنسان منها، أين يذهب، وما غاية وجوده؟ هل هو كائن مادى، أم كائن روحانى، أم الاثنين معاً؟ ما دوره فى هذه الحياة، والمطلوب منه؟ من أين جاءه العقل والتفكير والإدراك والوعى، ومتى؟ ولماذا يختلف عن بقية الحيوانات والموجودات؟
يقول الكتاب
يمزج هذا البحث بين فكرتين أساسيتين فى بوتقة واحدة ويجانس بينهما، الأولى قديمة قدم تاريخ البشرية، تبحث فى كيفية بدء الإنسان استعمال عقله والتعلّم والاختراع. أما الثانية، فتتناول أحدث ما توصل اليه علماء الفيزياء والفلك من نظريات وبحوث عن بداية ظهور الكون بكواكبه ومجراته، أو ما يسمى بالانفجار الكونى الكبير.
إن ثورة المعلومات التى حصلت فى العقود الأخيرة أدخلت البشرية فى مرحلة حضارية جديدة لم يسبق أن مرت بها منذ وجد الانسان على الأرض، وهذا ما ساعد فى بروز أفكار ونظريات وعلوم جديدة منذ بداية القرن التاسع عشر، ساعدت فى تقوية جوانب هذا البحث، وأظهرت أن هناك العديد من الأفكار العلمية والنظريات الفلسفية، لم تعد تناسب مثل هذا التطور العلمى والاجتماعى.
ومن خلال الأدلة العلمية والعقلية التى يقدمها هذا البحث، نكتشف أن مسألة تعلّم الانسان فى بداية ظهوره على الأرض، تخالف فى تفاصيلها ما ينتشر اليوم من فرضيات وأفكار باتت كبديهيات مسلّم بها عند غالبية المتعلمين، حتى لا يحبذ البعض التطرق لمناقشتها، رغم عدم إمكانية برهنة صواب فكرتها، بل لو تمعنا فى ثنايا طياتها لوجدناها مجرد تخمينات وضعت لتجنب مأزق كشف مثالبها.
إن دوام الحال من المحال، فكم من نظرية بقى العلماء يعملون بها مددًا وقرونًا طويلة ويتخذون منها أساسًا وركيزة لعلومهم ومعارفهم ونظرياتهم، لكن تقدم العلوم أثبت خطئها، مثلما كان الحال مع نظرية بطليموس، حينما بقى الفلكيون وعلماء الفيزياء مقتنعون قرابة خمس عشر قرنًا، أن الشمس وبقية الكواكب تدور حول الأرض، رغم أن هذا العالم والفيلسوف الفلكى عاش فى مدينة الإسكندرية التى اشتهرت بالعلوم والمعارف والفنون، وتوفرت بين يديه مصادر هائلة من الكتب والأسفار فى مكتبتها الشهيرة، ومن الجدير بالذكر أن البابليون قد سبقوه برأى مخالف تمامًا اتفق مع ما جاء به الفلكى كوبرنيكوس ليصحح نظرية بطليموس الخاطئة.
يتفق كثير من الفلاسفة والحكماء على عجز الانسان فى التفكير الذاتي، إلا أن أحدًا منهم لم يقترب من تفاصيل هذه النقطة الجوهرية ليحاول تفكيك أسرارها، فالفيلسوف اشبنغلر يؤكد على استحالة قدرة الإنسان البدائى على التفكير بمستويات أعلى من واقعه، عندما قال: فالرجل البدائى وذلك الى أحط درجة يبلغها تصورنا لوعيه اليقظ»، والطفل «كما نستطيع ان نذكر"، لا يستطيعان أن يريا أو يدركا هذه الإمكانات "إمكانات امتلاك عالم خارجي» إدراكًا كاملًا. وتتمثل إحدى حالات الوعى الأعلى للعالم فى امتلاك اللغة، ولا نعنى باللغة مجرد النطق البشري، لكننا نعنى بها اللغة الحضارية، ولا وجود لمثل هذه اللغة بالنسبة الى الرجل البدائي، وهى موجودة لكنها ليست بمتناول اليد بالنسبة الى الطفل. وبكلمات أخرى أقول بأن كلًا من الطفل والرجل البدائى هما مجردان من أى تصوّر واضح مُميز للعالم، ولا شك أن لدى كل منهما لمحة «عن العالم» ولكنهما لا يتمتعان بمعرفة حقيقية بالتاريخ والطبيعة)
ويقول العالم جون فايفر فى ذات المجال عن صعوبة تعلّم الرجل البدائى ذاتيًا، قال: (كانت مقدرة أولئك القوم من أشباه الإنسان على التعلم مقدرة بطيئة بالنسبة لمقاييس هذه الأيام ـ فقد استغرقت الأطوار الأولى لعملية الصيد حوالى ثلاثمائة ألف عام ـ وهذا تقدير متحفظ ـ إذ يجوز أن يكون ذلك التطور قد استغرق ضعف هذه الفترة).
فى فصل الكتاب الأول ـ بعد المرور على مجموعة من المواضيع، وجد المؤلف فى تقديمها ضرورة أولية لعرض فكرة هذا البحث بطريقة موجزة ـ يتناول كيف وجد وظهر هذا الكون حسب نظرية الانفجار الكبير بأسلوب علمى مسرحى يقدم جانب رئيسى من فكرة البحث.
يناقش الفصل الثاني، موضوع ظهور الانسان من رحم تربة الأرض من خلال ما حدث من تفاعلات كيمائية بين جزيئات تربتها، مثلما حصل لبقية الحيوانات والنباتات، ويبتعد عن الفكرة القديمة القائلة بنزول إنسان كامل من عُلا السماء.
فى الفصل الثالث، كان من الضرورى للربط بين مواد فصول الكتاب، الميل نحو استعراض دور الشخصيات ـ حسب ما يطلق عليهم الفيلسوف توينبى ـ من الذين قاموا على رعاية عموم البشر وتعليمهم، وساهموا فى بقاءهم وديمومتهم والمحافظة عليهم، كالشيوخ والآباء والرجال المميزون والشامان وغيرهم، يعرضها بتلخيص سريع غايته توضيح جوهر الفكرة دون إسهاب طالما تمتلئ كتب التاريخ بتفاصيلها.
أما الفصل الرابع (نظرية المعلّم)، فيعتبر محور فكرة الكتاب وأطول فصوله، حيث يتمحور على تقديم الأدلة العلمية والتاريخية والبراهين العقلية، على عجز الانسان التام فى بداية وجوده، التعلّم بجهوده الذاتية، وأنه لا محالة لتعلمه إلا بوجود معلم أرقى منه علمًا ومعرفة لتعليمه، وأن العقل البشرى المجرد عاجز عن التفكير والإبداع والاختراع، طالما كان خلوًا من مبادئ العلوم والمعارف، وبالتالى تأخذنا هذه الفكرة عميقًا الى بداية ظهور الوعى عند الانسان ومن كان أول معلم له مدعمة بشواهد ودلائل تاريخية على توقف البشرية عند أطناف سفوح مراحل الحضارات لا تلوى شيئًا ولا تتحرك قدمًا إلا بعد ظهور شخصية مميزة تأخذ بيدها لتحركها من جديد.
يستعرض الفصل الخامس كيفية التفكير عند الانسان وما هو العضو المختص داخل الجسم القائم على هذه العملية، حيث يفند فكرة تخصص كتلة الدماغ المادية داخل الجمجمة بعملية التفكير والابداع المعنوية ويقصر اختصاص هذه الكتلة المادية على ارسال واستلام المعلومات.
بانتقالنا الى الفصل السادس، يقدم الكتاب أهمية حاسة السمع فى التعلّم كحاسة أساسية تسبق بقية حواس الجسد، وبالتالى تعتبر الحاسة الأساس فى بدء عملية التعلم عند الانسان، طالما كانت الطبيعة البدائية خالية تمامًا من صور موجودات يمكن الاستفادة منها لكسب أية معلومات علمية، فيأخذنا ذلك الى ذات الهدف المطلوب اثباته من جديد.
أما الفصل السابع، فيناقش استحالة اختراع الانسان بجهوده الفكرية الذاتية فنون الرسم وأدواته ومستلزماته ليترك على جدران الكهوف تلك الرسومات الرائعة؛ وكذلك يتناول استحالة إمكانية اختراع البدائى لفكرة الكتابة العجيبة وتناول تحقيقها وتحويلها من حالتها المعنوية غير المحسوسة الى الحالة المادية، ثم العمل بها وإيجاد «عصر الكتابة» الذى غير مجرى تاريخ البشرية، دون مساعدة معلم أعلى شأنا وعلمًا من عامة البشر، حيث ينفى فكرة التدرج فى اختراع إشارات وصور الحروف والأرقام وتسلسل إمكانية القدرة على تطويرها بجهود البشر الذاتية.
ويتناول الفصل الثامن، كيف بدأ ظهور اللغات بين البشر، وكيف نظمت فى أول ظهورها بأصوات وصيحات ومفردات بسيطة عند مجتمعات البشر البدائية الأولى المتفرقة فى جميع أنحاء الأرض، مما أوجد لغات ولهجات كثيرة لا تحصى، ويبرهن على أنه لم تكن هناك عند البشر لغة واحدة مشتركة.
الفصل التاسع، يحاول التسلسل فى اثبات عجز العقل البشرى فى الانتقال من عالم الماديات الى عالم الأفكار المعنوية، ويقطع سبيل فرضية توصله الى نتائج ساعدت فى إيجاد الانسان القديم لألحان الموسيقى واختراع آلاتها وتعقيداتها مدعمة بفكرة عدم قدرة الانسان فى الابداع الأولى دون اكتسابه معلومات أساسية.
ثم ينتقل الى الفصل العاشر ليفند بالأدلة والبراهين العلمية والتاريخية مجمل الأفكار المتداولة القائلة فى كيفية اختراع الانسان أو اكتشافه النار والاستفادة منها عن طريق المراقبة او التأمل أو المصادفة، فمثل هذه الفرضيات هى أبعد ما يكون عن قدرات عقل البدائى الجاهلي.
اما الفصل الحادى عشر، يستعرض عمر الانسان فى أزمان العصور الجليدية وما بعدها من أحوال البشر الاجتماعية المتدنية، ويفند مفهوم «الصدفة» والاعتماد على «المراقبة المستمرة» أو «التفطن الذاتي» وغير ذلك من الفرضيات غير العلمية فى كيفية تعلّم الانسان فنون علوم الزراعة ومستلزماتها.
ينتقل التسلسل فى دحض كثير من الفرضيات القديمة الى الفصل الثانى عشر، حيث يناقش معضلة كبرى يستعرضها البعض ـ بكل بساطة ـ ويقدمون لها مختلف التبريرات غير المقنعة فى كيفية اختراع تقسيمات الوقت وأجزاء آلة الساعة الحجرية والترابية والشمسية ومعرفة توالى ساعات اليوم وأعدادها، وبالتالى توصل الانسان القديم الى استنتاج قسَّمَ فيه ساعات اليوم الى دقائق، وقفز بعقليته البدائية الى تقسيم الساعة الى ثوان! كل ذلك والانسان يعيش عصور البدائية الأولى!
ثم يأتى الفصل الثالث عشر ليدحض الفكرة المتداولة فى كيفية ظهور علوم الطب والصيدلة وأدواتها واختراع الأدوية بمختلف أنواعها وصنوفها، ونسبتها الى قدرات العقل البشرى الذاتية. ويقدم مقدار ما يواجه الطبيب أو الصيدلى من صعوبات فى تهيئة وإيجاد مستلزمات هذه الدوية والمواد والمخترعات وسبل العثور على أصنافها فى جذور النباتات وأزهارها وفى أنواع المواد الكيميائية وفى المعادن وأعضاء أجساد الحيوانات والزواحف والحشرات ومنتجاتها رغم ندرة تجمعها فى مناطق محددة.
الفصل الرابع عشر، يعرض صعوبة واستحالة العقل البشرى على الانتقال لتناول علوم الأفلاك والنجوم ومعرفة دوراتها ومددها، خاصة وهو البدائى الذى لم يكن فى متناوله نسب من العلوم أو مقدار ضئيل من المعرفة، وكيف عاش فى جاهلية تامة مظلمة، وبالتالى يأتى من يفترض قدرته على تناول علوم ومعارف فلكية دقيقة يصعب فهمها هذا اليوم حتى على أصحاب أعلى الشهادات فى اختصاصات ومجالات أخرى مختلفة. فيأتى البحث على تفنيد فرضية اكتشاف البدائى للأزياج والتقاويم ومعرفة طول أعمار وأزمان حركة الكواكب والنجوم القريبة والبعيدة منها. كل ذلك والانسان كان يعيش فى ظلمات العصور البدائية.
الفصل الخامس عشر، يتناول الموضوع الشائك فى أقدمية الدين أم السحر فى حياة الانسان، الذى ما زال متداولا بين المفكرين حتى يومنا هذا. وبالاستناد الى فرضية وجوب المعلّم للتعلّم، يظهر أسبقية الدين على إنه الأقدم عمرًا من السحر، وأن الأخير ما هو إلا من مخلفات علوم الأديان المهملة.
أما الفصل السادس عشر، فنصل فيه بعدما أسهبنا فى تقديم الأفكار والبراهين والأدلة على صحة فرضية عدم قدرة الانسان على التفكير الذاتى المجرد، وعدم قدرته على التعلم والاختراع إلا بوجود معلّم، لنقف عند أعتاب فكرة يوافق عليها غالبية المؤرخين والعلماء بأن أصل منبع علوم البشر قد ظهر من المعابد وأنه ليس سوى الكهنة ورجال الأديان القدماء بل وحتى السحرة والمشعوذين، هم من قاموا بتعليم الناس مبادئ مختلف العلوم والمعارف. لكنه طالما كان الكهنة بشرًا مثل غيرهم، إذن لا بد ان كان هناك من علمهم، وهنا نجد ظهور الآلهة فى جانب صورة تاريخ الانسان البانورامية، ونكتشف أنه نتيجة لتطور اللغات واختفاء القديم منها، راح القدماء يطلقون على من كانوا يُعرفون فى الأساطير القديمة بمصطلح (آلهة)، هو بذاته ما يعرف اليوم بمصطلح (الأنبياء). وبالتالى تعود روافد جميع مبادئ علوم البشر الى هذا المنبع الأساس.
يتناول الفصل السابع عشر، نبذ مختارة من أقوال بعض كبار الفلاسفة والعلماء واعترافهم بوجود ذات مدبر ومهندس بارع، أوجد هذا النظام الكونى البديع ورتب شؤون كل شيء بمقدار، ومن هؤلاء نستشهد بأقوال أفلاطون، أرسطو، بقراط، فيثاغورس، سقراط، البرت اينشتاين، كانت، وغيرهم الكثير مما لا تحصى أعدادهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة