"والدي يسعى خلال هذه الأيام إلى تقسيم الميراث بيننا فى حياته، ونحن 7 من الأبناء 4 ذكور و3 إناث ولسنا من أم واحدة، ولأجل ذلك يسعى والدي لتقسيم الميراث لأننا مختلفين دائماَ وتنشأ بيننا الخلافات بشكل دائم ومستمر، وأكاد أجزم أن هناك بيننا من لا يحب الأخر، ولكن للأسف والدي كشف لنا أنه سيقوم بإنقاص الميراث من أحدنا بحجة عدم اهتمامه ومرعاته له كبقية أخوته".. بهذه الكلمات بدأت "أميمة.ع"، 47 سنة، محافظة الجيزة، سرد مأساتها لـ"اليوم السابع" في محاولة لإيجاد حلول قانونية.
هل يجوز للمورث حرمان أحد الورثة أو الانتقاص من نصيبه؟
وتابعت: "منذ علمنا بالأمر وبدأنا نستفسر ونسأل عن مدى جواز تقسيم أبى تركته كلها أو بعضها على أبناءه أو بعضهم حال حياته وحرمان أحدهم أو انتقاص نصيبه فى الإرث، إلا أننا وجدنا الشيوخ يؤكدون حرمانية هذا التقسيم من الناحية الشرعية، لأنه من المتوقع أن تقع مشاكل كبيرة بين الأشقاء وبعضهم البعض، لا يدرى أحد ستصل بالأبناء إلى أين، بينما أكد القانونيين أن القانون يجيز عملية التقسيم، والسؤال الذى يطرح نفسه هنا هل يجوز للمورث تقسيم تركته كلها أو بعضها على ورثته أو بعضهم حال حياته؟ وهل يجوز للمورث حرمان أحد الورثة من نصيبه؟".
المشرع أجاز "التصرفات المنجزة" الصادرة من المورث
وللإجابة على تلك الإشكالية – يقول الخبير القانوني والمحامى بالنقض دانيال شفيق – أن المشرع حسم هذا النزاع منذ زمن بعيد حيث أعتبر أن التصرفات المنجزة الصادرة من المورث فى حالة صحته لأحد ورثته أو لغيرهم تكون صحيحة، ولو ترتب عليها حرمان بعض ورثته أو التقليل من أنصبتهم فى الميراث، فلما كانت القرينة القانونية المنصوص عليها فى المادة 917 من القانون المدنى لا تقوم إلا إذا كان المتصرف لأحد ورثته قد احتفظ لنفسه بحيازته للعين المتصرف فيها وبحقه فى الانتفاع بها على أن يكون الاحتفاظ بالأمرين مدى حياته لحساب نفسه ، ومستندا إلى حق لا يستطيع المتصرف إليه حرمانه منه.
ووفقا لـ"شفيق" فى تصريح لـ"اليوم السابع" - التحايل الممنوع على أحكام الإرث لتعلق الإرث بالنظام العام هو ما كان متصلا بقواعد التوريث وأحكامه المعتبرة شرعا كاعتبار شخص وارثا وهو فى الحقيقة غير وارث أو العكس، وكذلك ما يتفرع عن هذا الأصل من التعامل فى التركات المستقبلة كإيجاد ورثة قبل وفاة المورث غير من لهم حق الميراث شرعا أو الزيادة أو النقض فى حصصهم الشرعية.
رأى محكمة النقض فى الأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدى لمثل هذه الإشكالية فى الطعن المقيد برقم الطعن رقم 89 لسنة 37 القضائية – جلسة 7 مارس 1972 حيث قالت في حيثيات الحكم أنه لما كانت القرينة القانونية المنصوص عليها فى المادة 917 من القانون المدنى لا تقوم - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - إلا إذا كان المتصرف لأحد ورثته قد احتفظ لنفسه بحيازته للعين المتصرف فيها وبحقه فى الانتفاع بها على أن يكون الاحتفاظ بالأمرين مدى حياته لحساب نفسه ، ومستدا إلى حق لا يستطيع المتصرف إليه حرمانه منه، وكان الحكم المطعون فيه قد نفى بأسباب سائغة احتفاظ المورث بحيازته للعين المتصرف فيها، واعتبر أن قيامه بتحصيل أجرتها بعد التصرف فيها إنما كان لحساب أولاده القصر - المتصرف إليهم - بصفته وليا طبيعيا عليهم ولم يكن لحساب نفسه لعدم استناده فى ذلك إلى مركز قانونى يخوله حق الانتفاع بتلك العين - لما كان ما تقدم - فإن الحكم المطعون فيه وقد قضى باعتبار العقد بيعا منجزا مستوفيا أركانه القانونية ومنها الثمن وأنه صدر من المورث فى حال صحته ولا يقصد به الوصية مستندا فى ذلك - وعلى ما سلف البيان - إلى أسباب سائغة تكفى لحمل قضائه ولا فساد فيها ، فإن النعى عليه بهذا السبب يكون على غير أساس".
ويترتب على ذلك أن التصرفات المنجزة الصادرة من المورث فى حالة صحته لأحد ورثته أو لغيرهم تكون صحيحة ولو كان يترتب عليها حرمان بعض ورثته أو التقليل من أنصبتهم فى الميراث، لأن التوريث لا يقوم إلا على ما يخلفه المورث وقت وفاته، أما ما يكون قد خرج من ماله حال حياته فلا حق للورثة فيه - لما كان ذلك - وكان الحكم قد انتهى إلي أن التصرف المطعون فيه لم يقصد به الإيصاء ولم يصدر من المورث فى مرض الموت، وإنما هو بيع منجز استوفى أركانه القانونية ومن بينها الثمن فهذا حسبه للرد على طلب بطلان العقد لمخالفته قواعد الإرث، ويكون النعى عليه بهذا السبب على غير أساس .
رد مركز الأزهر العالمى للفتوى فى الإشكالية
يأتي ذلك فى الوقت الذى سبق فيه ورود سؤال لمركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، بهل يجوز توزيع تركة الرجل الحي على أولاده قبل مماته؟.. وجاء الرد كالتالي:
"إن توزيع الرجل تركته قبل موته غير جائز شرعًا؛ وذلك لأن موت المورث شرط أساسى من الشروط التى وضعها الإسلام للإرث، ويقول الإمام شمس الدين الخطيب الشربيني- رحمه الله: وأما شروط الإرث فهي أربعة: أولها: تحقق موت المورث، أو إلحاقه بالموتى تقديرًا كجنين انفصل ميتًا في حياة أمه..، أو إلحاق المورث بالموتى حكمًا كما في حكم القاضي بموت المفقود اجتهادًا، وإذا وزع الرجل تركته حال حياته قد يأخذ الورثة التركة كلها ثم يتركوا صاحب المال بلا رعاية ولا مأوى، وفي هذه الحالة يقع ما لا يُحمد عقباه".
وتابع المركز فى فتواه: "وقد يولد لهذا الرجل بعد التوزيع ولد آخر، وفى هذه الحالة يكون قد ظلم هذا الولد فى الوقت الذى يؤمر فيه بالتسوية بين أولاده، وبهذا الحكم أخذ القانون، حيث جاء فى المادة الأولى من القانون رقم77 لسنة 1943 بشأن المواريث: يستحق الإرث بموت المورث أو باعتباره ميتًا بحكم القاضى، مع العلم بأنه يجوز للرجل أن يوزع أمواله على أولاده حال حياته، ولكن هذا يُعد من قبيل الهبة لا من قبيل الميراث، وفى هذه الحالة لا بد من التسوية بين أولاده جميعًا، ولا بد أن يكون ذلك فى حال صحته وليس مرض موته، وبناءً عليه: فإن توزيع الرجل تركته حال حياته غير جائز شرعًا.