كل الطرق تقول إن فيروس كورونا مازال يشكل خطرا، وإن التباعد والاحتراز هو الطريق المضمون لتقليل الإصابات، وإن الإهمال والتساهل سبب التفشى، موجة ثانية أو ارتفاع فى الموجة الأولى، يجتاح العالم بعد أيام قليلة. خرجت تصورات وتوقعات بقرب انتهاء الكابوس. ولا توجد نية لدى دول العالم للإغلاق مرة أخرى، وهو ما يجعل الآراء المتشائمة لها مكانا. ومازال الحديث عن توفر اللقاح المضاد لكوفيد19 فى بدايته، صحيح أن روسيا كانت أول من أعلن عن طرح اللقاح، لكن تلقى أوربا وأمريكا لأنباء اللقاح الروسى، يشير إلى تأثيرات واضحة للسياسة، فقد تصاعدت قبل أسابيع أنباء عن قرب طرح لقاح أكسفورد، بعد تجارب وتجهيزات لإنتاجه تجاريا. الصين أيضا أعلنت عن اقتراب طرح اللقاح الخاص بها.
بالنسبة للقاح الروسى، فقد أعلن الرئيس فلاديمير بوتين أن إحدى ابنتيه أجرت اختبار لقاح كوفيد 19 على نفسها، وأنها تشعر أنها فى حالة جيدة، مشيرا إلى أن أول لقاح يشكل خلايا مستقرة ومناعة من الأجسام المضادة وقال «أعلم هذا جيدا، لأن واحدة من ابنتى حصلت على اللقاح، وبذلك، هى شاركت فى الاختبار». وأنها بعد أول حقنة من لقاح كورونا، ارتفعت درجة حرارتها إلى 38 درجة، وفى اليوم التالى ارتفعت الحرارة قليلا عن 37 درجة. وبعد الحقنة الثانية، أحدث ارتفاع طفيف فى الحرارة، ثم أصبح كل شىء على ما يرام، وهى تشعر أنها بصحة جيدة ولديها عدد مرتفع من الأجسام المضادة.
ومع هذا فقد احتفظت بعض الشركات والجهات العلمية والدوائية العالمية بحذر فى التعامل مع اللقاح الروسى وقالت بعض الجهات الغربية إنه لم يخضع لتجارب كافية، واقترحت جمعية منظمات البحوث السريرية الروسية على وزارة الصحة عدم تسجيل اللقاح حتى الانتهاء بنجاح من المرحلة الثالثة للتجارب السريرية. وهو ما ردت عليه نائبة رئيس الهيئة الروسية المعنية بحقوق المستهلك فالنتينا كوسينكو، بالقول إن مزاعم شركات الأدوية بشأنه أساسها الجهل بنتائجه. وقالت «تم تطعيم عدة مئات من المتطوعين بهذا اللقاح، ولم تكن هناك ردود فعل سلبية خطيرة. ومن الواضح أن جمعية منظمات البحوث السريرية، من دون أن يكون لديها أى علم بالنتائج، توصلت إلى هذا الاستنتاج»، مشيرة إلى أن المرحلة الثالثة تستهدف مشاركة عدة آلاف من المتطوعين.
إعلان روسيا عن طرح اللقاح، رفع سعر الروبل، ونشط أسهم روسيا، ولا شك سوف ينشط الشركات الأخرى فى بريطانيا والصين، لطرح اللقاحات الخاصة، بعد شهور ظلت الإعلانات عن قرب طرحه مستمرة، بينما أغلب التوقعات تذهب إلى أنه لن يكون متوفرا قبل العام القادم، حتى تتأكد دول العالم من قوة اللقاح، فسوف تبدأ صفقات الحصول عليه مما يضعف من موقف اللقاحات الأخرى. ولهذا فإن التعامل الأوربى مع اللقاح الروسى ما يزال حذرا، ويتوقع أن تصدر تقارير أوربية تشكك فى اللقاح وكفاءته، وهو ما يبدو أن روسيا استعدت له دعائيا.
فى عالم اللقاح الخاص بكورونا، فإن العلم وحده ليس العامل الحاسم، وتلقى السياسة والاقتصاد بظلالهما على الأمر، لأن اللقاح يعنى أموالا وأرباحا، وسمعة علمية، وفى السياسة ما تزال روسيا تبدو بعيدة عن أوربا، حتى وإن انتهت الحرب الباردة، فإن السياسة تلقى بظلالها، وهناك سوابق توترات بين موسكو ولندن، واتهامات بريطانية لروسيا بسرقة بعض الأسرار العلمية الخاصة باللقاح. والسياسة حاضرة مع كوفيد وقبله وبعده.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة