1 - كتبت فى هذا المقال من أيام أن من يشن الحرب كى ينتصر فى حربه، فعليه أن يتحقق من الكثير من الشروط على رأسها ثلاثة: أولا أن يفكر بمنطق موازين القوى الديناميكى، فالعدو القوى لا يسهل كسره أو الانتصار عليه، كما أن الضعيف يمكن أن يقاوم. وليس من المنطقى أن يدخل فاعل دولى فى حرب مع فاعل دولى آخر أقوى منه عدة وعتادا إلا إذا كانت عملية انتحارية، وهنا تقدير الأمر مهم لأن لبنان كان ضعيفا فى عام 1982 وكان سهلا على الجيش الإسرائيلى اجتياح الحدود ومحاصرة العاصمة بيروت، ولكن المقاومة ظهرت وأجهدت الجيش الإسرائيلى حتى حدث الانسحاب الإسرائيلى لاحقا.
2 - ثانيا، أن يفكر صانع قرار الحرب بمنطق التحالفات المحتملة كذلك، لأن القضية ليست فى يوم الحرب فقط وفى ميزان القوى يومها، ولكن العدو الذى توجه له الأداة العسكرية من الممكن أن يدخل فى تحالفات إقليمية تجعله فى النهاية أقوى منك، يوم أن غزا صدام حسين الكويت، الكويت كان معها تحالف هش مع دول الخليج لكن بعد أسبوع كانت هناك أكثر من 35 دولة متحالفة معها ضد العراق.
3 - ثالثا، التفكير بمنطق العائد الاقتصادى من الحرب ومن سيغطى تكاليفها، الحرب قرار مكلف للغاية، ومهما كانت موارد الدولة المتاحة لتمويل الحرب كبيرة فإن الأطرف الأخرى تعلمت كيف تطيل أمد الحرب وتجعل تكلفتها باهظة.. أرسلت مصر الناصرية قواتها إلى اليمن دونما أى اعتبار لكل ما سبق، فكانت الهزيمة النكراء، وكان التساؤل كيف يفكر صانع قرار الحرب فى الحرب وتكلفتها البشرية والمادية؟
4 - وأشرت كذلك إلى أن صانع السياسة الخارجية إن وجد أن الشروط السابقة ليست فى صالحها، فسيكون أمامه سيناريوهان آخران غير التصعيد المتبادل المفضى إلى الحرب، وهما أولا أن يتراجع أحد الطرفين، وهنا لا بد من أن يحفظ الطرف الثابت على موقفه للطرف الآخر ماء وجهه أمام الرأى العام المحلى والعالمى، وسيناريو أخير أن يتراجع الطرفان فيلجآن فى النهاية إلى أدوات الحل الدبلوماسى الخمس: التفاوض، المساعى الحميدة، الوساطة، التحكيم، تدخل تنظيم دولى أو إقليمى بقرارات ملزمة.
5 - هذا هو ما فعله أردوغان تحديدا.. أدرك أن التصعيد فى غير مصلحته لاسيما أن مصر يقف معها تحالف واسع وقوى سواء من دول أوروبية مثل روسيا وفرنسا أو عربية مثل السعودية والإمارات، كما أنه أدرك أنها حرب ستكون تكاليفها البشرية والعسكرية والاقتصادية فوق طاقة الاقتصاد التركى المنهك بسبب غزواته الخارجية.
6 - أكبر الخاسرين من تراجع أردوغان عن سياسة تصدير الثورة والتمرد إلى الدول غير الإخوانية هم الإخوان أنفسهم، وإخوان مصر تحديدا، لأنه أدرك، كما نشرت وكالة الأناضول التركية المتحدثة بلسان حال الإخوان، أن الإخوان صاروا عبئا عليه وعلى تركيا وأنهم فشلوا فى تحقيق كل وعودهم له رغم إنفاقه ببذخ عليهم وعلى إخوان الإخوان: احتضنهم، أنفق عليهم، وفر لهم ملاذا آمنا، صنع لهم محطات تليفزيون ومواقع على الإنترنت على أمل أن ينهار نظام السيسى، وأن يعود الإخوان إلى الحكم وأن تخرج سيناء عن سيطرة مصر وأن تضعف مكانة مصر الدولية والإقليمية.
7 - أكبر الكاسبين من تراجع أردوغان عن سياسة تصدير الثورة والتمرد إلى الدول غير الإخوانية هم أعداء الإخوان من المحافظين على الدولة الوطنية والراغبين فى استقرار المنطقة والباحثين عن تنمية اقتصادية توفر للملايين حياة كريمة.
8 - لا ننسى أن أحد شروط نجاح استراتيجية تراجع أحد الأطراف عن التصعيد (وفى هذه الحالة تركيا) أن عليها أن نحفظ لها ماء الوجه حتى لا يتحول التراجع إلى تصعيد مرة أخرى.
هذا ما أمكن إيراده، وتيسر إعداده، وقدر الله لى قوله.