الحمد لله الذى هدى ولاة أمورنا إلى ما فيه صلاح بلادنا، وقدر لنا رئيسًا يعرف قيمة الوطن، فحمل روحه على كفيه منذ أول يوم قرر فيه أن يتحمل المسؤولية مضحيًا فى سبيل ذلك بدمه، وعازمًا على أن ينتشل الوطن من مغبة الانجرار إلى حرب أهلية كانت وشيكة الحدوث، لولا تدخله الشجاع بقرار فى غاية الحكمة، وذلك فى الثلاثين من يونيو 2013، حينما كانت قوى الشر تتوعد المصريين بالخراب وإحراق الوطن بعد فشل الإخوان الذريع فى سياسة أمور البلاد والعباد، فنسبت فشلها إلى فساد مؤسسات الدولة، تلك المؤسسات التى كانت ولا تزال تتسم بالاستقلال وتنأى عن الصراعات السياسية، ولكن جماعة الإخوان الإرهابية سعت إلى أخونة هذه المؤسسات فلما وجدتها عصية على الانضواء تحت عباءتهم اتهموها بالفساد، وتلك حجة اللئيم عندما لم يقدر على شجرة الكرم فقال إن عنبها حصرم.
لكننا نشرف بالانتماء إلى وطن هذه مؤسساته المستقلة، وهذه قيادته الحكيمة، على أننا لا نكتفى بمجرد الفخر لوطن بهذا الحجم، حيث يشهد التاريخ بعراقته، وإنما نعرف لهذا الوطن حقه، ونأخذ على أنفسنا عهدًا باستكمال مسيرة الإنجازات التى ورثناها عن أجدادنا كابرًا عن كابر، ونقول مع الشاعر:
نبنى كما كانت أوائلنا ... تبنى ونفعل مثلما فعلوا
والمصريون إذا عزموا بنوا المستحيل، تلك طبيعة فيهم يعرفها لهم التاريخ، وإلا فإن السواعد التى حطمت خط بارليف المنيع هى سليلة تلك التى بنت الأهرامات إحدى عجائب الدنيا، وما زال المصريون يتخطون حواجز المستحيل عبر تاريخهم، شريطة أن تلتحم إرادتهم بإدارة واعية، وقيادة تجيد إدارة هذه الإرادة، فتخرج من هذا الشعب أطيب ما فيه وتبهر الدنيا بمنجزاته.
وقد قدَّر الله لنا أخيرًا هذه القيادة الحكيمة ممثلة فى شخص فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، ليخطو بمصر إلى مكانتها المستحقة مقتفيًا أثر القادة العظام الذين كانوا مع المصريين على قدَر، فأنجزوا معالم الحضارة وأعادوا إلى الشعب وعيه بعد كل انتكاس كان يعرض للوطن ثم يزول بتوفيق من الله، جاء الرئيس السيسى ليواصل فصلًا من فصول التاريخ العظيم لمصر، وليؤسس لمرحلة مفصلية من مراحل كفاح هذا الوطن، ويكمل حلقات السلسلة التى بدأت بمينا موحد قطرى مصر، مرورًا بأحمس طارد الهكسوس، إلى الظاهر بيبرس صاحب الإنجازات الكبيرة وأحد البنائين العظام الذين عمَّروا القاهرة، إلى محمد على باشا مؤسس مصر الحديثة، لقد تحمل الرئيس السيسى مسؤوليته فى وقت كاد ينكر الخليل خليله، وكنا على شفا جرف هار فأنقذنا الله به، وكان أقصى ما نتمنى أن ترسو سفينة الوطن على بر الأمان، وتخرج مصر من محنتها بسلام، ويعود الناس إلى بيوتهم آمنين، نادت مصر فلم يكن مفرا أمام ابنها البار بها إلا أن يستجيب، وقد استبشر المصريون بالسيسى خيرًا حين وأد الفتنة فى مهدها، وقطع دابر قوى الشر واستأصل رأس الحية ممثلة فى جماعة الإخوان الإرهابية، لكنه كان واعيًا بحجم التحديات التى تنتظره، فأوصى المصريين أن يتكاتفوا معًا ويلتحموا بقيادتهم ليعيدوا كتابة التاريخ كعادتهم، وقد جرى السيسى على سنة القادة الذين سبقوه إلى بناء مصر مرحلةً بعد مرحلة، فلم يبخل على القوات المسلحة بالتسليح الحديث، حتى عاد العالم من حولنا يحسب لمصر حسابها، ويفكر البغاة ألف مرة قبل أن يقدموا على المساس بأمنها، نعم، لم يعدم الوطن بعض طيور الظلام من قوى الشر والإرهاب فى الداخل والخارج تسندهم أجهزة مخابرات متآمرة وأبواق إعلامية عميلة، يغيظهم أن تقف مصر على أقدامها لأنهم يعرفون أن نهوض مصر يعنى نهوض الشرق كله، وهم يريدون شرقًا أوسطيًّا مقسمًا كما خطط لذلك برناد لويس منذ عقود، واجتهدت قوى الشر لتنفيذه عن طريق الفوضى الخلاقة وإن ألبسوها لباس الربيع العربي.
إن جماعة خوَّان المسلمين – كما كان العقاد يسميهم – اتخذوا من أعداء الوطن فى الخارج بطانة «لا يألونكم خبالًا ودوا ما عنتم»، لا يتورعون عن استخدام أفتك الأسلحة لإعاقة نمو الوطن، حتى لو كان ذلك السلاح تشويه الوعى الدينى لدى الشباب، فيبثون فى روعهم مفاهيم الحاكمية وتكفير المجتمع وجاهلية القرن العشرين وما إلى ذلك من مفاهيم تلقى بظلالها الثقيلة على نفوس الشباب المغيب، فيخرجون على المجتمع يكفرون حكامه ومؤسساته ويسعون فى الأرض فسادًا، وينتشرون فى جسد الأمة كالسرطان الخبيث بدلًا من أن يمثلوا جهازه المناعى وحائط الصد المنيع فى وجه أعدائه.
وقد تفطن السيد الرئيس إلى أهمية تجديد الخطاب الدينى ودوره فى إفشال مخططات جماعات الظلام، فنادى بالتجديد، واستجابت مؤسسة دار الإفتاء المصرية لدعوة فخامته، فأطلقت عددًا من المشروعات الطموحة كشفت وجه الإرهاب الغاشم الملتف بعباءة الدين، وذلك ليس بالأمر اليسير، بل يحتاج إلى علماء عاملين يريدون وجه الله، يميزون الخبيث من الطيب، فإن جماعات التطرف تحسن أن تقول من خير قول البرية، لكن علماءنا بما تميزوا به من أصالة عِلم وإخلاص نية، كشفوا زيف هذه الجماعات وفضحوهم على رءوس الأشهاد، وذلك كان سببًا كافيًا ليجعل دار الإفتاء المصرية وعلماءها هدفًا للتشويه من قِبل قنوات الإخوان الإرهابية، تلك القنوات الإعلامية العميلة الممولة من أعداء الوطن، التى تعمل بلا كلل ولا ملل على قلب الحقائق وتقزيم دور مصر والتقليل من إنجازات قيادتها. والإعلام جهاز شديد الخطر لو استجاب الناس له؛ فإما أن يكون أداة بناء يبث فى الجماهير روح العمل والتعاون والتلاحم لإعمار المجتمع، وهذه أولى درجات النهوض بالوطن، وإما أن يكون أداة هدم وتدمير يحرك فى الجماهير غريزة العنف والشماتة فى مؤسسات أوطانهم والفرح بإخفاق قيادتهم، وهذا أول طريق الهزيمة.
ونظرًا لدور الإعلام المهم فى توجيه دفة سفينة الوطن، فإننا نثمن ما تقوم به قنواتنا الوطنية والمجهودات الحثيثة التى تبذلها مؤسساتنا الإعلامية، ونشد على أيديهم مطالبين بالمزيد من بذل المجهود فى كل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وعلى رأسها وسائل التواصل الاجتماعى حتى نعيد إلى الشعب وعيه، وعودة الوعى مقدمة لعودة الروح، وكلاهما مؤذن بنهوض مصر وتبوئها مكانتها اللائقة بها بين الأمم.
إن مصر تتعرض لحرب غير أخلاقية لا يستحى أعداؤها من استخدام أقذر أسلحتهم فيها، على أننا جديرون بالمواجهة والانتصار إذا أيقظنا وعى المصريين وضمائرهم، فلم يستجيبوا إلى الشائعات المغرضة والأكاذيب المفضوحة، ولم يلتفتوا إلى الغربان الناعقة الداعية إلى الخراب، فإن الواقع الملموس شاهد على الإنجازات التى حققناها فى الأعوام الماضية والتى تلوح فى أرض مصر كالشمس فى رائعة النهار:
وليس يصح فى الأذهان شىء .. إذا احتاج النهار إلى دليل
إننا نحتاج إلى وعى سليم يكشف زيف الادعاءات، كما نحتاج إلى ضمائر حية لا تبيع الوطن بأى ثمن، وفوق ذلك نحن فى حاجة إلى سواعد فتية قوية، نحتاج يدًا تبنى ويدًا تحمل السلاح تدافع به عن الوطن، على أن اليد التى تبنى لا تستغنى عن اليد التى تدفع الأعادي، فاجتماع اليدين كفيل بالانتصار فى الداخل والخارج {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ}، ولكن قوى الظلام تعلم أن الفرقة سبيل ضعفنا، فتعمد إلى شق الصف، والنبى صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية»، وهنا يأتى دور الوعى الذى يضيع عليهم الفرصة، ويكفل لنا التلاحم والالتفاف حول قيادتنا ومؤسساتنا، وكلنا ثقة أنهم يريدون الصلاح، وأنهم يبذلون وسعهم فى سبيل ذلك، وإننا من ورائهم نشد على أيديهم وندفع معهم سفينة الوطن ونمنع عنها أيدى المخربين، ونعلم أن الله لا يضيع أجر المحسنين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة