الفنان فؤاد المهندس، كان أحد الكبار المحظوظين من نجوم جيله، فقد عاصر كل العظماء الأوائل فى الفن والمسرح، بداية من نجيب الريحانى، ويوسف وهبى، ومارى منيب وزينات صدقى، ثم صنع مع عبد المنعم مدبولى تجربة كبيرة عاشت لسنوات طويلة من الفن الخالص الراقى، الذى لا يعرف الابتذال أو الضحك المصطنع، وظل كبيراً محافظاً على عطائه الفني حتى رحيله عن عالمنا في 16 سبتمبر 2006، كأهم أستاذ في تاريخ المسرح والسينما خلال القرن العشرين.
فى حوار نادر لفؤاد المهندس مع الدكتورة هالة سرحان، وأظنه كان الحوار الأخير للأستاذ الراحل، وقد كانت ملامح المرض واضحة على وجه هذا المصرى الأصيل، قدم خلاصة تجربته الفنية الرائدة، التي امتدت لأكثر من 60 سنة فن، بدأها حينما كان طالبا في كلية التجارة عام 1946، ولقائه مع نجيب الريحانى، ليعرض عليه تحكيم عمل مسرحى لفريق الكلية، وبعد نقاش وجدل مع الريحانى استطاع المهندس إقناعه، وكانت أول بادرة تعاون بين العملاقين، وخطوة على أول طريق التلمذة في مدرسة الكبار، الذين كانوا يقدمون فناً حقيقياً يطرح قضايا المجتمع ومشكلاته ويبحث عن حلول لها، فلا يمكن لأحد الادعاء بأنه سبق نجيب الريحانى في الحديث عن مشكلات البطالة فى الثلاثينيات والأربعينيات، كما فعل فى أفلامه ومسرحياته، أو ناقش قضايا الطبقة المتوسطة ومشكلاتها، أو حياة الموظف الفقير الذى يعيش على الكفاف ويستدين ليوفر لقمة العيش، كل هذه أدوار وقضايا ناقشها هذا الجيل من العظماء قبل أكثر من 80 سنة، وعندما نشاهدها ونتفاعل معها كأنها إنتاج اليوم.
العبقرى فؤاد المهندس، عندما سألته المذيعة عن شخصية الفنانة وحياتها الخاصة وكيف تتفاعل مع الجمهور خارج الكاميرات والكواليس، فأخبرها قائلا:" الفنانة لازم تضحك لجوه مش لبره، وتحافظ على صورتها وشكلها ولا تظهر في الحياة العامة بصورة دائمة، وكذلك الفنان لا يجب أن يخرج إلى الشارع ليشترى جزمة أو بدلة، فهذه أمور تنال من قدره وفنه وصورته لدى الجماهير".
لم يكن يعرف فؤاد المهندس، ما يحدث الآن لدرجة أن بعض من يدّعون الفن يتشاتمون على الهواء مباشرة، ويخرجون على الجماهير بملابسهم الداخلية، ويشاركون صوراً لمؤخراتهم وأحذيتهم وما خفى كان أقبح.
نظرات فؤاد المهندس، والدموع لامعة فى عينيه، عندما صفق جمهور البرنامج نحو دقيقة كاملة، تقديرا وحباً لهذه الرحلة الطويلة من العظاء الفنى، تؤكد كم كان هذا الرجل محباً مخلصاً لفنه وجمهوره، وراضياً عن رحلته الطويلة، التى خلدتها السينما المصرية ولا يمكن أن ينساها الكبير أو الصغير.
العمل بالفن والمسرح لم يكن يمنح أصحابه أمولاً كما الآن، ولم يكن يعرف "الفلوس" بمعناها الحقيقى إلا فى الفترة الراهنة، بل إن المهندس يقول "المسرحية كانت تُعرض لسنوات على خشبة المسرح، ولم يكن يحصل إلا على 340 جنيها كإجمالى مستحقاته، بل إن فنانات عظيمات مثل مارى منيب، وزينات صدقى، يحصلن على 10 جنيهات فقط نظير المشاركة فى أحد مسرحياته، فهذا الجيل كان يحترم الفن ويقدر العمل، والدليل أن أغلبهم مات مفلساً وبلا أموال".
فؤاد المهندس واحد من عباقرة الفن المصرى، واسمه يستحق أعلى وسام وتكريم، جزاء بما قدم من فن حقيقى، ناقش خلاله قضايا المجتمع، وعبر إلى حلول لها، عالج الروتين والبيروقراطية والكذب فى أرض النفاق، وقدم المشكلات الأسرية والعائلية وقضايا الشباب فى "سك على بناتك"، وابتكر الشخصية الأشهر للأطفال في مصر والعالم العربى "عمو فؤاد"، الذى كان علامة من علامات شهر رمضان، وقدم عشرات بل مئات الأعمال الهامة، التي تؤرخ لقدرته الشاملة في العطاء والإبداع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة