كشفت دراسة لمركز الإمارات للدراسات والإعلام "EMASC" أنه بالرغم مم الإعلان عن انتهاء مقاطعة قطر يوم الخامس من يناير الماضي إلا أن الأزمة الخليجية ما زالت قائمة ولم تخمد جذوتها.
واستندت دراسة المركز الإماراتي الصادرة منذ يومين لتقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، مشيرة إلى أن ممثلو دول مجلس التعاون الخليجي الست أعلنوا في مدينة "العلا" السعودية انتهاء النزاع بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى بعد ثلاث سنوات ونصف من الانجراف نحو أزمة اُتهمت فيها قطر بالانجراف نحو إيران ودعم الإرهاب. معلنين عن استعادة تماسك دول الخليج العربي التي تضم أيضاً الكويت وسلطنة عمان اللتان سعتا إلى المصالحة.
جانب من تقرير المركز
وحققت قمة دول مجلس التعاون الخليجي نجاحا باهرا. حيث رفعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصارها على قطر وأعادت العلاقات الدبلوماسية معها. كما علقت قطر قضية منظمة التجارة العالمية ضد مساعي الإمارات للعزل الاقتصادي.
جاء ذلك في أعقاب مفاوضات من جاريد كوشنر كبير مستشاري دونالد ترامب في ديسمبر 2019 بعد زيارة عاصمتي البلدين، الرياض والدوحة، حيث سعى ترامب لتحقيق "انتصار'' نهائي في السياسة الخارجية قبل مغادرته منصبه - بالإضافة إلى جهود وساطة إيجابية من الكويت البلد الخليجي المحايد في الأزمة.
وقالت مجلة فورين بوليسي في تحليل لـ"صموئيل راماني" نشر يوم الأربعاء الماضي، على الرغم من أن إنهاء الحصار على قطر يعد تطوراً إيجابياً، إلا أن أزمة الخليج لم تنته بعد. انطلقت المصالحة في قمة دول مجلس التعاون الخليجي بسبب التعب من الحصار ورغبة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في إعادة صياغة صورته المشوهة لدى الإدارة الأمريكية الجديدة. لقد حدث دون أي تنازلات من قطر بشأن دعمها للحركات الإسلامية أو أي إظهار للندم من السعودية أو الإمارات لعواقب الحصار المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط.
وتلفت المجلة الأمريكية إلى أن التركيز على "رمزية" إنهاء الخلاف أكثر من الجوهر "يبشر بالسوء لتماسك منظمة دول مجلس التعاون الخليجي على المدى الطويل".
وأضافت المجلة: قد يؤدي انعدام الثقة بين قطر ودول الرباعي العربي، والتنافس المستمر بين الإمارات وقطر، والاختلافات الحادة في السياسة تجاه إيران وتركيا، والتنافس الجيوستراتيجي في إفريقيا إلى إعادة تسخين أزمة الخليج في المستقبل القريب. من المرجح أن تزداد حدة مصادر الاحتكاك التي لم يتم حلها داخل دول مجلس التعاون الخليجي خلال رئاسة جو بايدن وتشكل تحديات عديدة لإدارته".
وعلى الرغم من تذبذب علاقات قطر مع السعودية والبحرين والإمارات منذ منتصف التسعينيات، إلا أنه لا توجد أزمة سابقة تنافس حصار يونيو 2017 في شدتها. على عكس الخلافات السابقة، مثل انسحاب السفراء السعوديين والإماراتيين والبحرينيين من قطر في مارس 2014، كانت آثار الحصار الأخير ملموسة على مستوى النخبة والشعب. تسببت الصعوبات مثل فصل الأزواج السعوديين القطريين، في حدوث انقسامات مجتمعية دائمة.
وروجت وسائل الإعلام السعودية والإماراتية المتحالفة مع الدولة بلا هوادة للرواية القائلة بأن قطر كانت دولة راعية للإرهاب. في المقابل، أصبحت الجماهير السعودية والإماراتية والقطرية تنظر بشكل متزايد إلى بعضها البعض على أنها خصوم وليس كجيران أو أصدقاء.
ونظرًا لأن قمة دول مجلس التعاون الخليجي لم يسبقها أي جهد حقيقي لتهدئة التوترات، فإن هذه العداوات على المستوى المجتمعي يمكن أن تستمر. ندد وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، في 22 ديسمبر 2019 ، بوسائل الإعلام القطرية لعرقلة المصالحة الخليجية، على حد زعمه. في 24 ديسمبر ، قدمت قطر شكوى إلى الأمم المتحدة بشأن انتهاكات للمجال الجوي من قبل مقاتلات بحرينية.
وعلى الرغم من أن الاستطلاعات الأخيرة التي أجراها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أظهرت أن 56٪ من الإماراتيين و 61٪ من القطريين يؤيدون إنهاء النزاع الخليجي، إلا أن هذه الأرقام قد تمثل البراغماتية والتعب من الحصار أكثر من مجرد تخفيف الخلافات الأساسية.
وزير الخارجية البحريني عبداللطيف الزياني ادعى أن قطر لم "تحل المشاكل العالقة مع البحرين" في تأكيد أن قمة مجلس التعاون الخليجي على استمرار الانقسامات القديمة.
وتابع المحلل المتخصص في الشرق الأوسط ودول الخليج: قد يؤدي التنافس المستمر بين الإمارات وقطر إلى عرقلة أي تطبيع في الخليج. منذ احتجاجات الربيع العربي عام 2011، قدمت الإمارات وقطر رؤى متنافسة لمستقبل المنطقة. أدانت الإمارات منظمات المجتمع المدني الإسلامية، مثل جماعة الإخوان المسلمين
وتقول المجلة: يشير غياب ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، مهندس عقيدة السياسة الخارجية لدولة الإمارات، عن قمة مجلس التعاون الخليجي إلى أن عملية المصالحة الخليجية لم تعالج هذه الفجوة الأيديولوجية. ما يضمن استمرار انقسام دول مجلس التعاون الخليجي في استجاباتها للأزمات الإقليمية وإدامة المنافسة غير الصحية التي بلغت ذروتها في حصار عام 2017.
وتشير إلى أنه حتى وفي حالة أن دول الخليج "أخمدت الاعتراضات المجتمعية وحاولت تجزئة الانقسامات الأيديولوجية، فإن الأولويات الجيوستراتيجية المتضاربة قد تعرقل الطريق إلى مصالحة حقيقية".
وتابعت "فورين بوليسي": لا تزال دول مجلس التعاون الخليجي منقسمة بشكل خاص حول إيران وتركيا، مما سيعيق التعاون داخل المنظومة الخليجية في القضايا الأمنية. على الرغم من أن قطر استدعت سفيرها من إيران في يناير/كانون الثاني 2016 ، إلا أن توفير إيران للسلع الاستهلاكية الحيوية لقطر أثناء الحصار جعل الدوحة تتخذ موقفًا أكثر اعتدالًا تجاه طهران".
وأصرّ وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن على أن إنهاء الحصار لن يغير علاقة بلاده بإيران. تشير هذه التعليقات إلى أن مجلس التعاون الخليجي سيبقى منقسماً بشأن السياسة الإيرانية بين كتلة مؤيدة للانخراط تتألف من قطر وعمان والكويت وتحالف مؤيد للعزلة يضم السعودية والإمارات والبحرين.
وتضيف المجلة الأمريكية إلى أن "سياسة دول مجلس التعاون الخليجي تجاه تركيا مماثلة لتلك التي تجاه إيران. نظرًا لتشغيل تركيا لقاعدة عسكرية في قطر ومكانة الدوحة كثاني أكبر مستثمر أجنبي في الاقتصاد التركي، فإن الشراكة الاستراتيجية بين تركيا وقطر ستشدد في فترة ما بعد الأزمة".
وأشارت إلى أن "اصطفاف قطر مع تركيا مصدر خلاف مع الإمارات، ففي 10 أكتوبر / تشرين الأول، وصف قرقاش الوجود العسكري التركي في قطر بأنه "حالة طوارئ" زعزعت استقرار منطقة الخليج".
ولفتت إلى أنه و"نظرًا لأن السعودية تسعى إلى حل وسط بين المواقف الإماراتية المناهضة لتركيا وتحالف قطر مع تركيا، فقد ترد دول مجلس التعاون الخليجي بشكل غير متماسك على تصعيد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في شرق البحر المتوسط".
وخلصت المجلة الأمريكية إلى أن المصالحة بين دول مجلس التعاون الخليجي لن يؤدي "إلى تخفيف حدة المنافسة الجيوستراتيجية في أماكن أخرى. فعلى الرغم من أن الدول التي توازن العلاقات الإيجابية بين قطر والسعودية، مثل باكستان وماليزيا، ستستفيد من المصالحة بين دول الخليج، فإن التنافس بين الإمارات وقطر في إفريقيا لا يزال مصدر خلاف لم يتم حله، حيث ترغب دولة الإمارات في مواجهة النفوذ القطري في تونس، الذي نما بسبب الاستثمار القطري الواسع النطاق في الاقتصاد التونسي والتعاون الدبلوماسي القطري التونسي في ليبيا. وبالمثل، استفادت قطر من الخلافات الإماراتية الجزائرية، التي أثارتها مخاوف أبو ظبي بشأن تعزيز العلاقات التركية الجزائرية ومعارضة الجزائر لتطبيع الإمارات مع إسرائيل".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة