في سنة 94 من الهجرة رحل الإمام على زين العابدين بن الإمام الحسين، وكان مشهورا معروفا، يرى فيه الناس امتدادا لأهل بيت النبى عليه الصلاة والسلام، فما الذى يقوله التراث الإسلامي؟
يقول كتاب البداية والنهاية لـ الحافظ ابن كثير تحت عنوان "على بن الحسين"
هو على زين العابدين بن الحسين ابن على بن أبى طالب القرشى الهاشمى المشهور بزين العابدبن، وأمه أم ولد أسمها سلامة، وكان له أخ أكبر منه يقال له على أيضا، قتل مع أبيه، روى على الحديث عن أبيه وعمه الحسن بن علي، وجابر وابن عباس والمسور بن مخرمة وأبى هريرة وصفية وعائشة وأم سلمة، أمهات المؤمنين، وعنه جماعة منهم بنوه زيد وعبد الله وعمر، وأبو جعفر محمد بن على بن قر، وزيد بن أسلم، وطاووس وهو من أقرانه، والزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وأبو سلمة وهو من أقرانه، وخلق.
ولما حج أراد أن يلبى فارتعد وقال: أخشى أن أقول لبيك اللهم لبيك، فيقال لي: لا لبيك، فشجعوه على التلبية، فلما لبى غشى عليه حتى سقط عن الراحلة.
وكان يصلى فى كل يوم و ليلة ألف ركعة.
وقال طاووس: سمعته وهو ساجد عند الحجر يقول: عبيدك بفنائك. سائلك بفنائك. فقيرك بفنائك، قال طاووس: فوالله ما دعوت بها فى كرب قط إلا كشف عني.
وذكروا أنه كان كثير الصدقة بالليل، وكان يقول: صدقة الليل تطفئ غضب الرب، وتنور القلب والقبر، وتكشف عن العبد ظلمة يوم القيامة، وقاسم الله تعالى ماله مرتين.
وقال محمد بن إسحاق: كان ناس بالمدينة يعيشون لا يدرون من أين يعيشون ومن يعطيهم، فلما مات على بن الحسين فقدوا ذلك فعرفوا أنه هو الذى كان يأتيهم فى الليل بما يأتيهم به.
ولما مات وجدوا فى ظهره وأكتافه أثر حمل الجراب إلى بيوت الأرامل والمساكين فى الليل.
وقيل: إنه كان يعول مائة أهل بيت بالمدينة ولا يدرون بذلك حتى مات.
ودخل على بن الحسين على محمد بن أسامة بن زيد يعوده فبكى ابن أسامة فقال له: ما يبكيك؟ قال: على دين، قال: وكم هو؟ قال: خمسة عشر ألف دينار - وفى رواية سبعة عشر ألف دينار - فقال: هى عليَّ.
وقال على بن الحسين: كان أبو بكر وعمر من رسول الله ﷺ فى حياته بمنزلتهما منه بعد وفاته.
ونال منه رجل يوما فجعل يتغافل عنه - يريه أنه لم يسمعه - فقال له الرجل: إياك أعني، فقال له علي: وعنك أغضي.
وخرج يوما من المسجد فسبه رجل، فانتدب الناس إليه، فقال: دعوه، ثم أقبل عليه فقال: ما ستره الله عنك من عيوبنا أكثر، ألك حاجة نعينك عليها؟ فاستحيا الرجل فألقى إليه خميصة كانت عليه، وأمر له بألف درهم، فكان الرجل بعد ذلك إذا رآه يقول: إنك من أولاد الأنبياء.
وقد روى من طرق ذكرها الصولى والجريرى وغير واحد أن هشام بن عبد الملك حج فى خلافة أبيه وأخيه الوليد، فطاف بالبيت، فلما أراد أن يستلم الحجر لم يتمكن حتى نصب له منبر فاستلم وجلس عليه، وقام أهل الشام حوله، فبينما هو كذلك إذ أقبل على بن الحسين، فلما دنا من الحجر ليستلمه تنحى عنه الناس إجلالا له وهيبةً واحتراما، وهو فى بزة حسنة، وشكل مليح، فقال أهل الشام لهشام: من هذا؟ فقال: لا أعرفه - استنقاصا به واحتقارا لئلا يرغب فيه أهل الشام -فقال الفرزدق: - وكان حاضرا - أنا أعرفه، فقالوا: ومن هو؟ فأشار الفرزدق يقول:
هذا الذى تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم * هذا التقى النقى الطاهر العلم
إذا رأته قريش قال قائلها * إلى مكارم هذا ينتهى الكرم
ينمى إلى ذروة العز التى قصرت * عن نيلها عرب الإسلام والعجم
يكاد يمسكه عرفان راحته * ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
يغضى حياءً ويغضى من مهابته * فما يكلَّم إلا حين يبتسم
بكفه خيزران ريحها عبق * من كف أروع فى عرنينه شمم
مشتقة من رسول الله نبعته * طابت عناصرها والخيم الشيم
ينجاب نور الهدى من نور غرته * كالشمس ينجاب عن إشراقها الغيم
حمال أثقال أقوام إذا فدحوا * حلو الشمائل تحلو عنده نعم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله * بجده أنبياء الله قد ختموا
من جده دان فضل الأنبياء له * وفضل أمته دانت لها الأمم
عم البرية بالإحسان فانقشعت * عنها الغواية والإملاق والظلم
كلتا يديه غياث عم نفعهما * يستوكفان ولا يعروهما العدم
سهل الخليقة لا تخشى بوادره * يزينه اثنتان الحلم والكرم
لا يخلف الوعد ميمون بغيبته * رحب الفناء أريب حين يعتزم
من معشر حبهم دين وبغضهم * كفر و قربهم منجى ومعتصم
يستدفع السوء والبلوى بحبهم * ويستزاد به الإحسان والنعم
مقدم بعد ذكر الله ذكرهم * فى كل حكم ومختوم به الكلم
إن عدَّ أهل التقى كانوا أئمتهم * أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
لا يستطيع جواد بعد غايتهم * ولا يدانيهم قوم وإن كرموا
هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت * والأسد أسد الشرى والبأس محتدم
يأبى لهم أن يحلّ الذم ساحتهم * خيم كرام وأيد بالندى هضم
لا ينقص العدم بسطا من أكفهم * سيان ذلك إن أثروا وإن عدموا
أى الخلائق ليست فى رقابهم * لأولية هذا أوله نعم
فليس قولك من هذا بضائره * العرب تعرف من أنكرت والعجم
من يعرف الله يعرف أولية ذا * فالدين من بيت هذا ناله الأمم
قال: فغضب هشام من ذلك وأمر بحبس الفرزدق بعسفان بين مكة والمدينة، فلما بلغ ذلك على بن الحسين بعث إلى الفرزدق باثنى عشر ألف درهم، فلم يقبلها، وقال: إنما قلت ما قلت لله عز وجل ونصرة للحق، وقياما بحق رسول الله ﷺ فى ذريته، ولست أعتاض عن ذلك بشيء. فأرسل إليه على بن الحسين يقول: قد علم الله صدق نيتك فى ذلك، وأقسمت عليك بالله لتقبلنها فتقبلها منه، ثم جعل يهجو هشاما وكان مما قال فيه:
تحبسنى بين المدينة و التى إليها * قلوب الناس تهوى منيبها
يقلِّب رأسا لم يكن رأس سيد * وعينين حولاوين باد عيوبها
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة