نتفق أو نختلف مع طبيعة المناهج التعليمية الجديدة، وأسلوب التدريس، وتأهيل المعلمين، لكن المشكلة التي يجب أن نعترف بها دون أن نُحملها للحكومة في الوقت الراهن أو الفترات السابقة هي كثافات الفصول، وأعداد المدارس مقارنة بالطلاب، وأذكر هذه الكلمات تزامنا مع واقعة اتخذها البعض وسيلة للتندر على التعليم في مصر، بعدما جلس تلاميذ في مدرسة تابعة لمدينة الخانكة بمحافظة القليوبية على الأرض، نتيجة عدم وجود "مقاعد" تستوعبهم.
من يظن أن واقعة مدرسة الخانكة هي الأولى من نوعها مخطئ ولا يعرف كيف الحال في مدارس الريف، صحيح كان يجب دراسة الموقف، وتحديد أعداد الطلاب من جانب المدرسة، إلا أن الزيادة السكانية أكبر من قدراتنا جميعاً، وأشد تأثيراً علينا من أي مشكلة سابقة أو حالية، فالبلد التي يزيد عدد طلاب مدارسها بمرحلة التعليم الأساسي عن 30 مليون طالب، لا يجب أن نلقى كل هذا اللوم على حكومتها، لعدم قدرة مدرسة "واحدة" على توفير مقاعد للتلاميذ في أول يوم دراسي.
وزارة التربية والتعليم تحاول زيادة أعداد الفصول بصورة مستمرة، فقد تم بناء أكثر من 72 ألف فصل دراسي خلال السنوات الخمس الماضية، ورغم ذلك لم تتمكن من ضبط معادلة الكثافة الطلابية، فالزيادة في أعداد التلاميذ سنوياً تفوق كل توقع، وقد كشفت أحدث بيانات حصلت عليها من وزارة التعليم أن عدد المدارس حتى عام 2020، وصل إلى 56569 مدرسة، ومع كل هذا العدد الضخم من المدارس تظل الكثافات مشكلة مُلحة، ليس لتراخى أجهزة الحكومة، أو التقصير في خلق حلول جادة، لكن بسبب معدلات النمو السكاني غير المنضبطة، التي تشهدها مختلف محافظات مصر، وهذا يدعونا إلى التأمل، ويُعيدنا إلى المربع الأول حول فكرة الزيادة السكانية، باعتبارها العقبة الكؤود أمام كل تنمية نأملها.
المتأمل في قضية كثافات الفصول سيجد أنها ليست وليدة الأمس أو اللحظة، لكنها منذ سنوات بعيدة، وجذورها قديمة ومتراكمة في النظام التعليمى، ولعلى أتذكر عندما صعدت للصف الأول الإعدادي في العام 1995، كانت مشكلة الكثافات حاضرة بقوة وكأنى أراها الآن، فالوضع لم يخلف كثيرا قبل 26 عاماً، فقد وضعتنا المدرسة في "فصل خشبي"، أرضيته طينية، كانت المياه الجوفية تخرج منها في الشتاء، وكانت حوائط الفصل على "الطوب الأحمر" فلا توجد أي مظاهر جمالية، بل أكثر من ذلك كان الفصل يحوى قوائم خشبية لحماية السقف من السقوط على رؤوسنا، وعندما كانت تأتى الأمطار كان يغرق على آخره!
مشكلة كثافات الفصول لن يتم حلها في يوم وليلة، ولا يمكن أن يتحملها مسئول أو حكومة، بل نتحملها جميعاً، وندفع ثمنها، ما دمنا لا نراها عقبة نحو المستقبل الذي نأمله، يجب أن يكون للمجتمع المدني دور فاعل وحقيقي نحو بناء مدارس جديدة، وتوفير فصول تستوعب الكثافات والزيادات السنوية، وأن يكون في كل قرية مصرية صندوق تبرعات لبناء فصول ومدارس جديدة، يتبرع من خلاله القادرون، خاصة أن ثقافة التكافل الاجتماعي، مازالت غائبة عن القرية المصرية، وعلى كل قادر أن يساهم بصورة جادة في حل هذه المشكلة، التي تخصنا جميعاً.
أخيراً اتركوا السوشيال ميديا ولا تتندروا على مدرسة الخانكة، وتخلوا عن عبارات اللوم على الحكومة والنظام التعليمى، واعلموا أننا من صنع الأزمة، والمسئولون عنها، ولا تنتظروا حلولا خارج أنفسكم، فالسماء لا تمطر ذهباً ولا فضة.