لا يوجد فى التاريخ الإسلامى أقسى من كربلاء، واليوم تمر ذكرى انتهائها حسب التاريخ الميلادى فى سنة 680 ميلادية، كانت نهاية حزينة جدا تركت أثرها الدامى على تاريخ المسلمين وعلى أرواحهم أيضا، حيث استشهد الإمام الحسين وكثيرون من أهل بيته.
كان الإمام الحسين ابن على بن أبى طالب، رضى الله عن آل بيته أجمعين رجلا طيبا، والطيبة هنا ليس معناها السذاجة، لا لكن معناها سلامة النية، وسلامة النية قيمة عظيمة وفى الوقت نفسه خطيرة، قيمتها فى كونها من سمات أهل الخير، ومن سمات الذين تربوا على العهد وعلى أن الكلمة لها معنى واحد.
وفى الوقت نفسه فإن الطيبة هى سيف على رقبة أهلها، يستغله الأعداء فينصبون شباكهم وينتظرون، يشعلون النيران بالقرب من الحمى ويتربصون، وبكل مكر الدنيا يشعلون الحرائق.
لقد كان الحسين بن على ضحية لبحثه عن الحق، والحق لا يحتمل التلون والتبدل، لقد كان أمام معضلة صعبة هى سلامته فى مقابل أن يصبح يزيد بن معاوية أميرا للمومنين، وهى أمر صعب كيف يصبح يزيد كذلك فى حضرة أبناء الصحابة الكبار من الحسين وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر وغيرهم الكثير، فهذا لا يصح، فلا هو أسبقهم فى الدين ولا أبرزهم فى الحرب ولا أورعهم فى تقوى الله، لذا فإن إعلان الامام الحسين رفضه مبايعة يزيد هو الصواب، حتى لو قال له البعض هادن فإن السيف فى يد بنى أمية.
إن الإمام الحسين ناداه قدره، فصدق دعوة الآخرين فى مدينة الكوفة وغيرها، ولم يسمع كلام أخيه محمد بن الحنفية الذى خرج خلفه يريد عودته، يقول له حسبما تذكر كتب التراث، يا أخى أنت أحب الناس إلى وأعزهم على، ولست أدخر النصيحة لأحد من الخلق أحق بها منك، تنح ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت، ثم أبعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك، فإن بايعوا لك حمدنا الله على ذلك، وإن أجمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك، ويذهب به مروءتك ولا فضلك، إنى أخاف أن تدخل مصرا من هذه الأمصار وتأتى جماعة من الناس فيختلفون بينهم فمنهم طائفة معك، وأخرى عليك فيقتلون فتكون لأول الأسنة، فإذا خير هذه الأمة كلها نفسا وأبا وأما، أضيعها دما وأذلها أهلا".
لن نلوم الإمام الحسين على شىء، ومثله لا يلام أبدا، وليس خطأه أن الناس خذلوه، فقد خذلوا أنفسهم بداية، أما طيبته وسلامة نيته فقد أدخلته فى دروب الخلود، حيث صار على امتداد التاريخ رمزا للحق، وذنبا لا تغفره الأمة لنفسها أبدا، ظل رمزا لطيب القلب سليم النية الحالم بدنيا يحكمها المنطق.