لا أجد سببا أو مبرراً حقيقياً لارتفاع الأسعار، الذي شهدته بعض السلع خلال الأيام الماضية، خاصة السلع الغذائية، التي شهدت ارتفاعات قياسية، تزامنا مع بداية العام الدراسي الجديد، وارتفعت بصورة ملحوظة، مثل الزيت والسكر واللحوم والدواجن والبيض، ومنتجات الألبان، لتصبح جملة الارتفاعات من 15 إلى 20%.
ارتفاع الأسعار في هذا التوقيت من العام لم يعتده المواطنون، فالأسعار غالبا ما ترتفع في يوليو من كل عام، تزامناً مع الزيادات السنوية في شرائح المرتبات والمعاشات، أو مع بداية كل عام خاصة السلع المعمرة، والموديلات الجديدة المرتبطة بها، إلا أن ما يحدث الآن من ارتفاعات غير مبررة في أسعار السلع والخدمات يضعنا أمام مسئولية كبيرة لمواجهة الاحتكار والجشع والمكاسب الكبيرة التي يحصدها الوسطاء بين المنتج والمستهلك.
أتصور أن مصر من أكثر دول العالم التي تتمتع السلع الغذائية فيها بالجودة والثمن المناسب، إلا أن المشكلة الأساسية تكمن في سلسلة الوسطاء المتسعة جداً بين المنتج الحقيقي والمستهلك الفعلي، ولو ضربنا مثالا على سلعة غذائية مثل "اللبن"، سنجد أن الفلاح أو المزارع يبيعها للتاجر المتجول بين 5 إلى 6 جنيهات للكيلو جرام، بينما تصل في النهاية إلى المستهلك بمبلغ 16 جنيها إن كان اللبن مغلفا جاهزاً، وحوالى 13 جنيها إن كان سائباً، بما يشير إلى أن هناك مكاسب تصل إلى 140% في هذه السلعة التي يقدمها البائع الأصلي بسعر مناسب جداً، يتوافق مع قدرات كل فئات المستهلكين، لولا سلسلة الوسطاء.
حلقة الوسطاء المتضخمة تضيف إلى سعر كل سلعة 100% من ثمنها الأصلي تقريباً، الأمر الذي يخلق طفرات تضخمية كبيرة بين الحين والآخر، خاصة أن جميع هذه الحلقات على طول السلسلة المتصلة ترغب في الحصول على مكاسب مناسبة، لا تقل بأى حال عن 20%، الأمر الذي يجعل الأسعار مبالغ فيها بصورة واضحة.
البعض يشير إلى ارتفاعات أسعار المواد البترولية الأخيرة ويراها سبباً في الموجات التضخمية التي ضربت الأسواق، إلا أن هذا الطرح غير دقيق وتنقصه الأرقام والإحصائيات السليمة، فالسولار الذى يستخدمه النقل الثقيل المسئول عن مسارات البضائع وحركة الشحن لم تتأثر أسعاره أو ترتفع بأى نسبة، بينما ارتفع البنزين 25 قرشا فقط في اللتر، بمعدل زيادة حوالى 2.9% قياساً على إجمالي الثمن 8.25 جنيه، فلو تحركت الأسعار بناء على هذا الارتفاع، يجب أن تكون بين 3 إلى 5% على أقصى تقدير، دون أن تصل النسبة إلى 20 و 30% كما نشاهد هذه الأيام، وهذا يضعنا إلى ضرورة ضبط الأسواق، ومواجهة عمليات الاحتكار بصورة تزيد من حركة العرض في مقابل الطلب.
نقطة هامة جداً في مواجهة ارتفاعات الأسعار غير المبررة، تتمثل في وعى المواطن، من خلال ترشيد الاستهلاك، والتقليل من الفواقد الكبيرة التي تصل في النهاية لسلال المخلفات، وهذا بدوره سيقدم حلاً نموذجياً لتخفيض الطلب، بمعنى أن المواطن لو تعامل مع كل سلعة ترتفع أسعارها بالامتناع عن شرائها، أو تقليل احتياجاته منها، سوف تستعيد الأسواق مرونتها، وتنضبط الأسعار، وهذا حل لا يمكن أن تقدمه الحكومة أو يطرحه مسئول، لكن الرهان فيه على وعى المواطن.
ترشيد الاستهلاك فضيلة تعرفها كل الشعوب المتحضرة، يجب أن نبدأ تعلمها، ونستهلك فقط ما نحتاجه، حتى نتمكن من السيطرة على شبح التضخم، ونواجه محاولات الاحتكار، التي تقف خلفها أطماع الاستغلال والثراء السريع.