شراء سيارة في مصر أحد القرارات الصعبة، التي قد يتردد المستهلك عشرات المرات قبل الإقدام عليها، فتبدأ أولاً بمرحلة البحث عن شخص له خبرة في هذا المجال "بيفهم في العربيات"، ثم التواصل مع المعارف والأصدقاء الذين لهم صلة مباشرة أو حتى غير مباشرة بأحد معارض السيارات، أو تكون على صلة بالوكيل المعتمد للعلامة التجارية التي ترغب اقتنائها، وفى هذه الحالة لن تحتاج لكل ما سبق!
ظاهرة "الأوفر برايس" على موديلات السيارات الحديثة، لا يعرفها سوى المجتمع المصري، وهي باختصار أن تدفع مبلغاً إضافيا زيادة على السعر المعلن من وكيل السيارة، مقابل حجز موديل معين أو توفيره، وقد تجلت هذه الظاهرة مؤخراً نتيجة الأزمة العالمية التي تعيشها مصانع السيارات، بسبب النقص الكبير في "أشباه الموصلات" أو الرقائق الإلكترونية، التي تعتبر العقل الذي تعتمد عليه صناعة السيارات الحديثة، وقد ترتب على الأزمة تخفيض الإنتاج بمعدلات وصلت إلى حوالي 50% في عدد من الشركات العملاقة.
في غمار هذه الأزمة أعلن جهاز حماية المستهلك قرار جريء وهام، يلزم الشركات والمعارض بالإعلان عن أسعار السيارات المعروضة للبيع، على أن يتضمن الإعلان سعر السيارة شاملًا الضريبة، وأن يكون السعر المُثبت بالفاتورة الصادرة للمستهلك هو ذاته المُعلن، ويتم وضع ملصق على كافة السيارات المعروضة للبيع "جديد ومستعمل"، ويتم تثبيته على الزجاج الأمامي للسيارة من الداخل، بحيث تكون المواصفات مقروءة بوضوح، بالإضافة إلى مجموعة من التفاصيل الأخرى شملها القرار.
مواجهة "الأوفر برايس" من خلال إعلان الأسعار على السيارات، خطوة هامة وجريئة لضبط هذه السوق ، التي تعج بالمشكلات، وسلاسل الوسطاء بين المنتج والمستهلك، فالقرار محل الحديث يحقق هدفين أساسيين، الأول السيطرة على عشوائية التسعير والأوفر برايس، الذى وصل إلى 100 ألف جنيه، ربما أكثر في بعض الموديلات، الثاني الحفاظ على حق الدولة في تقدير ضرائب سليمة وعادلة على أصحاب المعارض والوكلاء، خاصة أن الأموال المدفوعة في مسار "الأوفر برايس" لا تخضع لرقابة الدولة، ولا تدخل في ميزانيات الشركات، ولا تظهر في وعائها الضريبي السنوي، فهى أشبه بـ "إتاوة"، تحصل عليها المعارض دون سند قانونى، وتسهم بصورة مباشرة في رفع الأسعار وزيادة معدلات التضخم، لذلك أتصور أن قرار حماية المستهلك خطوة رئيسية نحو تقدير ضريبي سليم في عمليات بيع وشراء السيارات.
إصدار جهاز حماية المستهلك قرار إعلان الأسعار على السيارات، وإنهاء مأساة "الأوفر برايس"، خطوة جريئة تستحق الإشادة، خاصة أن القرار سوف يستتبعه إجراءات عديدة، تتضمن التفتيش على المعارض، وضبط المخالفين، ورصد السوق، وتلقى الشكاوى، خاصة أن القرار سيبدأ تفعليه اعتباراً من 15 نوفمبر2021، لذلك على الأجهزة المعنية، والجهات التنفيذية أن تعاون جهاز حماية المستهلك في أداء هذه المهمة الصعبة، والتحرك السريع نحو توفير مناخ مناسب لتطبيق القرار، الذى يحتاج إلى عناصر بشرية وكوادر مدربة، بالإضافة إلى وجود فعلى من رجال الشرطة، والمحليات، للمعاونة في تطبيق القانون.
المهندس أيمن حسام الدين، رئيس جهاز حماية المستهلك، وعد بإنهاء ظاهرة "الأوفر برايس"، وقدم الآليات القانونية والفنية المناسبة للتطبيق الفعلي، والحق أقول إن الرجل نجح مؤخراً في توجيه دفة الجهاز نحو القضايا الهامة، والمشكلات الكبيرة، التي تعاني منها شرائح واسعة في المجتمع، ليضع لها الحلول المناسبة، التي تضمن علاج جذرى، دون أن ينغمس في قضايا هامشية أو موضوعات يغلب عليها الشو والاستهلاك الإعلامى، لذلك أتمنى من مختلف الأجهزة المعنية أن تقدم المعاونة الصادقة لحماية المستهلك في تطبيق قراراته الأخيرة المتصلة بضبط سوق السيارات في مصر.