نملك آباء عظماء، وتأتى عظمتهم من رؤيتهم ومن أثرهم فينا ومن اتفاقنا واختلافنا مع أفكارهم، ومن هؤلاء الآباء الكاتب الكبير عباس محمود العقاد، وبالأمس حضرت ندوة أقامها مجمع اللغة العربية بعنوان "العقاد مفكرا ومجددا" شارك فيه أساتذة كبار وشيوخ نقد، على رأسهم الدكتور صلاح فضل، رئيس المجمع، وقدمها الدكتور عبد الحميد شيحة، وشارك فيها الدكتور محمود الربيعى، والكاتب الكبير حلمى النمنم، وزير الثقافة السابق، والكاتب المتميز صلاح سالم.
كانت الكلمات جميعها مهمة ومفيدة وتقدم جديدا، لكن استوقفنى من الكلام جمل بعينها، منها ما قالها الدكتور صلاح فضل، بأن العقاد كان "نموذجا لما يجب أن يكون عليه المفكر" واستشهد الدكتور صلاح فضل بقصة شاهدها بنفسه عنما ألقى العقاد كلمة أمام الرئيس جمال عبد الناصر، ومفاد ذلك أن العقاد كان يعرف قيمة الفكر ويعرف قيمة المفكر، ويرى أن المثقفين والفنانين ضرورة من ضرورات الوطن يعلو بها ويرتفع شأنه.
جملة أخرى مهمة قالها الدكتور صلاح فضل تعلقت بكون الأساتذة الكبار (العقاد – طه حسين – محمد حسين هيكل) ممن اهتموا بالتراث، كانوا يفعلون ذلك كى يجعلونا أكثر ثقة بأنفسنا، إنهم حسب المعنى الذى فهمته من الدكتور صلاح هم لا يستحضرون الماضى كي يردونا إليه بوصفه "الفردوس المفقود" لكنه بوصفه مرحلة حضارية وصلها أجدادنا فما الذى يمنع أن نصل نحن إلى هذه اللحظة الحضارية مرة أخرى حسبما نملك الآن، ولأن هذا فكرهم فإنهم غير مسئولين بالمرة عن أولئك الذين يريدون منا العودة للخلف والركض في الصحراء.
ومن الجمل المهمة أيضا ما قال به الكاتب الكبير حلمى النمنم، بأن العقاد كان شخصا راقيا ومهذبا، ولم يكن أبدا جافا وعنيفا كما يصوره البعض، وأعادنا حلمى النمنم إلى يوميات العقاد التي يرد فيها على رسائل قرائه، ويحيلنا إلى مواقف العقاد مع الكبار، وذلك لا يتنافى بالطبع مع اعتزازه بنفسه المشهور.
كانت الندوة مهمة وحافلة الجمل والمقولات الكثيرة التي قالها الأساتذة الكبار، لكن اخترت ما يتعلق بشخصية المفكر المشغول بالثقافة وبرؤيته، وكى نعرف طبيعة آبائنا وشخصيتهم الفكرية.