كرة القدم فلسفة جمالية ينتظرها الجمهور بشغف كبير، يعشق فنياتها وجملها التكتيكية، يستمتع بها ويتفاعل معها بإثارة ويتغنى ويتفاخر بنجومها، لها قوانين ثابتة وأخلاق رياضية إذا تخطاها أحد اختفت المتعة وقرر الجميع إعلاء تلك الروح الأخلاقية على الرياضة مهما كان حجم المنافس أو قيمته.
مشهد غريب ومتكرر شهدته مباراة القمة الأخيرة بين الأهلى والزمالك، والتى أمتعت الملايين سواء بالأداء والأهداف من جانب الفريقين، رغم فوز المارد الأحمر بخماسية قبل أن يتدارك الأبيض نفسه بثلاثة أهداف لإنقاذ موسمه من الانهيار حال خروجه بنتيجة كارثية أكثر من ذلك، هذا المشهد رصدته عدسات الكاميرات لحظة تنفيذ على معلول ركلة الجزاء عندما فوجئ الجميع بإلقاء كرة أخرى داخل الملعب، ما اضطر حكم المباراة لإخراجها بعد تنفيذ ركلة الجزاء والتى أحرز منها معلول الهدف الخامس للأهلى، وأثار العديد من التساؤلات، أبرزها من ألقى الكرة وتعمد إفساد المباراة ليتم معاقبته؟، ألا يخشى فرض عقوبات على ناديه، والذى يمر بالفعل بمرحلة لا تستدعى أى غرامات مالية، ومتى نتخطى مرحلة الغرامات المالية أو حتى الإيقافات ومحاولة تغيير مفهومنا عن كرة القدم؟!
كارثية المشهد تمثلت فى تكرار حدوثه بالدوري المصري، وهو ما أعاد للأذهان واقعة الكابتن أحمد كشرى فى مباراة الإنتاج والاتحاد السكندرى الموسم الماضى وتغريمه 100 ألف جنيه وإيقافه 8 مباريات، رغم إلقاء الكرة من أحد الأطفال حاملى الكرات، إلا أن الاختلاف هذه المرة فى مباراة القمة أن صاحبها أحد أفراد الجهاز، وعلى الرغم من أن لوائح العقوبات واضحة وتنص على أن "قذف الكرات إلى الملعب بهدف تعطيل اللعب أو إفساد هجمة للمنافس، عقوبتها 50 ألف جنيه"، إلا أن الأهم من توقيع العقوبة هو ضرورة تغيير مفهومنا الثقافى فى كرة القدم.
نعم.. يجب تقبل الهزيمة، خاصة أنها أحد قوانين كرة القدم، يجب أن يكون هناك فائز وآخر مهزم، وأن يحترم الفائز خصمه، ويتقبل المهزوم النتيجة أياً كانت، إعلاءً للروح الرياضية واحتراماً للمنافسة الشريفة فى كرة القدم.
حامل الكرات يلعب دوراً محورياً على حدود المستطيل الأخضر، ولم ينس عشاق كرة القدم دور الطفل حامل الكرات فى "ريمونتادا" ليفربول الشهيرة على حساب برشلونة، حينما منح أرنولد الكرة بسرعة ليستغلها لاعب ليفربول فى تحويل الكرة فى غفلة من لاعبى البارسا وحارس مرماهم ليحرز زميله الهدف الرابع والتأهل، ليتحول هذا الطفل إلى حديث صحف العالم التى أفردت صفحاتها لإبراز دوره البطولى فى فوز ليفربول على العملاق الكتالونى.
وعلى العكس تماماً نجد بعض التصرفات فى مباريات الدورى المصري، وهناك العديد من الوقائع قبل مباراة القمة الأخيرة، منها مثلا مباراة الزمالك وبيراميدز المثيرة الموسم قبل الماضى والتى انتهت (3/3) عندما ألقى أحد صبية الملاعب الكرة لتعطيل هجمة كينو فاضطر الحكم لإيقاف المباراة ما أثار حالة من الغضب للجميع.
وفى النهاية مثل هذه التصرفات غير مسئولة وليس لها علاقة بكرة القدم، وقليلا ما تجدها في ملاعب أوروبا مثلا، كونها تقتل متعة المباريات، لذا فالأمر يتطلب عدم التوقف عند العقوبات المالية أو الإيقاف عن المباريات إلى ضرورة فهم المعنى الحقيقى لكرة القدم حتى لا تفقد رونقها وهدفها الرئيسي كأحد أهم وسائل المتعة فى جميع أنحاء العالم.