العلم يتسع كل يوم، والتكنولوجيا تبدو أحيانا أسرع نموا من قدرة البشر على الاستيعاب أو التكيف، ويتطلب الأمر السير بسرعات مضاعفة لتعويض الفجوة لدى الدول، التى تريد اللحاق بالعصر، التطور الآن يتسع بمتوالية هندسية، وليس كالسابق، وهو ما بدا فى عرض تاريخ الثورات العلمية والصناعية، حيث إن الثورة الصناعية الأولى استغرقت ما بين 120 إلى 150 عاما، فى حين استغرقت الثورة الصناعية الرابعة والخامسة 30 عاما، وهو ما يعنى تسارعا يجعل اللحاق بالعصر أمرا أكثر صعوبة، وهى نقطة أشار إليها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مداخلته أثناء انعقاد المنتدى العالمى للتعليم العالى، مؤكدا إصرار الدولة على خوض حرب المعرفة، مع إدراك ما يتطلبه ذلك من تكلفة اقتصادية كبيرة.
أكرم القصاص
أكرم القصاص يكتب: العلم والتعليم الآن وهنا.. العالم يتغير بسرعة وعلينا اللحاق بالعصر
الإثنين، 13 ديسمبر 2021 10:00 ص
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ولعل هذا هو ما ينقلنا إلى القضية التى لا تبدأ من التعليم الجامعى، لكن من التعليم الأساسى فى الابتدائية حتى الثانوية، وهى مرحلة التأسيس التى تتطلب مناهج وتفاصيل معقدة، يفترض أن ترسم طريق الطالب، ليكون قادرا على استيعاب المناهج الحديثة، وفى نفس الوقت يكون مستوعبا مفردات العصر، وقادرا على التفكير المستقل والنقدى، وهى مهمة ليست سهلة، وتتطلب، بجانب المناهج العلمية والأدبية، مساحة للثقافة والوعى.
والواقع أن التقنيات الحديثة جعلت لدى الأطفال والشباب قدرات أكثر للتعامل مع أدوات العصر، وهو ما يجعل هناك مميزات لعصر التكنولوجيا، من حيث إمكانات التعلم، ونقل المعارف، وهو أمر يؤكده أعداد القادرين على استعمال أدوات التواصل، حيث يوجد حوالى 70 مليون مواطن على مواقع التواصل الاجتماعى، من بين 4.8 مليار حول العالم، ومع عيوب وميزات هذه الأدوات، يمكن تكشف الإمكانات التى يتيحها العصر للتعلم وتبادل المعرفة، وهذه الأدوات قابلة للاستعمال ومحايدة، ونحن الذين نمنحها قدرتها على أن تكون مفيدة أو مصدرا للتشويش.
وإذا كنا نتحدث عن التعليم، فالهدف منه هو تخريج كفاءات وليس آلات للامتحانات، وهو القضية الأولى لبناء طموحات التحديث والتطوير، ونحن ندرك عيوب التعليم التى انتهت بنا إلى وضع لا يمكن أن يكون مناسبا للتعامل مع عصر يتطور بمتواليات هندسية، وعلينا أن نتخلص من الطرق التى قادتنا إلى نظام تعليم جامد، وهناك اتفاق على أن المناهج التى كانت بالتعليم ليست صالحة لبناء طالب قادر على الاستيعاب، وهو نظام كان يقوم على الكتب الخارجية والملخصات والمراجعات والدروس الخصوصية، وتخريج طلاب لا يمكنهم الاعتماد على أنفسهم، مجاميع كبيرة من دون ناتج يتناسب معها.
والنتيجة أن الجامعات تخرج مئات الآلاف من الخريجين سنويا غير قادرين على تحصيل فرص عمل، بينما هناك فرص عمل، لا تجد من يتقدم لها، وفى العالم الحديث، فإن مقياس نجاح الجامعات هو قدرتها على تقديم مناهج تسهل لخريجيها فرص عمل، وأيضا تلبى حاجات سوق العمل من الخريجين.
تغيير نظام التعليم يتطلب إعادة النظر فى المناهج، وتدريب المعلمين عليها، وأيضا نظام الامتحانات الذى كان يتناسب مع الدروس الخصوصية والملخصات والمراجعات، والامتحان كغاية وليس وسيلة، وهو ما بدأ خلال السنوات الأخيرة، لكن التغيير يصطدم بوجود نظام استقر على مدى عقود، بالرغم من الاعتراف بأنه عقيم، هناك من يدافع عنه خوفا من التجديد.
خلال السنوات الأخيرة، ظهرت تعبيرات مثل بنك المعرفة، والأبحاث، والمناهج، والامتحانات بالكتب المدرسية، واختبار الفهم، وأسئلة تختبر التفكير، من خلال اختيارات بينها فروق بسيطة، ونفس الجدل يتجدد حول مناهج الصف الرابع الابتدائى، حيث يتبارى بعض المحللين فى التأكيد على صعوبة مناهج العلوم، ويضربون أمثلة بما يتضمنه منهج العلم، من عناصر تعتمد على التفكير وتختبر الفهم، ويرفض البعض شكل ومضمون ما يقدم للتلاميذ من مناهج العلوم أو المعارف وطريقة التفكير، لأنها تتناول الحواس أو الخفافيش، والزواحف، والدم البارد والحار، وغيرها، من عناصر يرى بعض أولياء الأمور أنها صعبة مقارنة بالمرحلة الابتدائية، بينما الواقع يشير إلى أن الأطفال يمكنهم استيعاب أدوات العصر والتقنيات أسرع من الكبار، بل إن بعض المراهقين يمكن أن يكونوا مستشارين جيدين فى التعامل مع التقنية أكثر من الآباء والأمهات. يضاف إلى ذلك، أن البعض كان يرفض ويراهن على فشل التعلم عن بعد، وجاء فيروس كورونا ليحبس ملايين فى منازلهم، ويضطرهم للدراسة بل والعمل من المنازل عبر الإنترنت.
ونحن هنا لا ندافع أو ننتقد، لكنننا نطرح قضية التعليم للنقاش، مع التعامل من خلال الواقع، وليس فقط اعتمادا على السماع والنقل من خلال المشاركة «الشير».
وعلينا فقط أن نعترف بأننا علينا اللحاق بالعصر، وأن نظام التعليم السابق لم يعد مناسبا، فوصلنا إلى حال ليس هو الأفضل أو الأنسب، وربما يكون الأفضل، هو تعويض سنوات تدهور فيها التعليم، ولأن العالم يتغير بسرعة، يتتطلب الأمر تعويض ما فات بسرعة، حتى يمكننا الدخول للعصر.
مشاركة
الموضوعات المتعلقة