لا أحد يستطيع أن يعطل مسيرة التطور والتقدم في مجالات تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، واقتصاد المعرفة، والثورة الكبيرة التى يشهدها العالم، بداية من أجهزة الموبايل الموجودة في أيدينا والساعات الذكية التى لم تعد علاقتنا بها مجرد معرفة الوقت، وامتدت إلى معدلات الحركة وخطوات المشى، وضربات القلب، ونسبة الأكسجين، وعدد ساعات النوم وغيرها، ثم الصناعات العملاقة التى يتحكم فيها "الروبوت"، والتجارة الممتدة في كل دول العالم عبر التطبيقات الذكية، دون أن تمتلك متاجر أو محال أو مقرات، وشركات النقل الذكية التي ليس لديها سيارة واحدة، ورأس مالها مجرد "ابليكشن"، ومع ذلك باتت أرباحها أضعاف من ينتجون السيارات، بما يؤكد أن التطور المذهل في هذه المجالات لن يتوقف لسببين أساسيين الأول، سهولة التعامل مع التكنولوجيا، والثانى قدرتها غير المحدودة على الابتكار ومخاطبة احتياجات البشر بصورة مباشرة.
التطور العلمى سيتجاوز الروتين والقيود البيروقراطية، ويكتسح تقاليد الموظفين والروتين الذى ورثه المجتمع أبا عن جد، والأوراق الكثيرة والعديدة التي يتم اعتمادها دون أن نعرف أهميتها أو جدواها، فهذا الجيل الذى نشأ وتطور مع الألفية الثالثة لا يجيد التعامل مع الإجراءات الإدارية ولا يعرف ثقافة الطابور، و"فوت علينا بكرة"، بل اعتاد أن ينهى كل شيء من جهاز الموبايل، ويعيش على التطبيقات بداية من الألعاب حتى سداد ديون البنوك وفواتير الكهرباء والمياه والغاز.
كل الروتين الذى ورثناه كرهاً على مدار سنوات طويلة يجب أن يتوقف فالأجيال التي تربت على الهواتف الذكية، والأجهزة المتطورة لن تتعامل مطلقاً مع موظف "الشباك"، ولن تعرف فكرة الدمغة وطوابع البريد، ومدام سعدية، والحاج مصطفى، والزحام والتكدس والمشاهد التي اعتدنا عليها في سنوات سابقة، لذلك علينا أن ندرس احتياجات هذا الجيل الجديد ونطور معه الأجيال القديمة، التي سرعان ما تستجيب للتحول التكنولوجي، الذى دائما ما يقدم مستوى خدمة أفضل للمواطن.
بالفعل التكنولوجيا لها مساوئ عديدة، فقد قللت مساحات التواصل الاجتماعى بين الناس، وجعلت المجتمع أكثر أنانية، وأقل عاطفة، وأكثر سعياً نحو الذاتية والتطلع والطموح الزائد، إلا أن فوائدها لا تُنكر فى توفير الوقت والجهد والمال، وتنظيم العمل، وزيادة مستويات الرفاهية وجودة الحياة.
على الحكومة أن تنطلق من فكرة أن التحول نحو التكنولوجيا قادم لا محالة، فلن يمنعه الروتين، ولن تعيقه المحاولات البائسة من جاب التقليديين، وأتصور أن العاصمة الإدارية الجديدة وكل ما بها من بنية فنية وتكنولوجية ستكون أساس لمستقبل التطور التكنولوجى فى مصر، على مستوى تقديم الخدمات أو التعامل مع الجمهور، لذلك يجب أن يكون انتقال الوزارات والهيئات إلى هذه العاصمة ليس مجرد مكاتب أو موظفين، بل يجب أن يكون للعقول اللامعة والعناصر القادرة على التطوير، وإبقاء كل ما هو تقليدى أو روتيني في مواقعه القديمة، فالإدارة في مصر "عدوى" وتنتقل بالإيحاء أحياناً، والموظف الفاشل يمكنه أن يصيب حوله عشرات المجتهدين، لذلك علينا أن ندرك هذه الفكرة مبكراً حتى نخدم أجيال المستقبل التي تكره الورق.