قال وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج عثمان الجرندي ، اليوم السبت، إن زيارة رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد الرسمية إلى الشقيقة مصر بداية من يوم 9 أبريل الجاري ، تأتي ضمن التوجه الرامي إلى ربط جسور التواصل، وترسيخ سنة التشاور مع أخيه فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، فضلا عن إرساء تصورات جديدة من شأنها أن تعزز من مسارات التعاون القائمة بين البلدين.
وأضاف وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج – في تصريحات خاصة لوكالة أنباء الشرق الأوسط – أن الاتصالات المتبادلة بين الرئيس التونسي ونظيره المصري، شكلت عنوانا بارزا لتميز هذه العلاقات وخصوصيتها، وركيزة من الركائز الأساسية التي يستند إليها الجانبان لتأمين انطلاقة متجددة لدفع علاقات التعاون الثنائي إلى مستويات أرحب.
وأكد الجرندي، أن العلاقات التونسية المصرية تتميز بعراقتها ومتانتها، وبعمق الروابط الأخوية، كما يجمع الشعبين الشقيقين قواسم مشتركة تاريخية وحضارية، ووحدة مصير، وتطلع إلى المستقبل.
وأشار الوزير التونسي إلي أن العلاقات بين البلدين شهدت نشاطا وحركية لافتة قبل انتشار جائحة كورونا، حيث تم تبادل الزيارات رفيعة المستوى، أبرزها زيارة الرئيس التونسي الراحل الباجي قايد السبسي إلى مصر للمشاركة في القمة العربية الأوروبية سنة 2019 ، كما زار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تونس سنة 2019 للمشاركة في القمة العربية الـ 30، بالإضافة إلى ما شهدته تلك الفترة من زيارات وزارية في الاتجاهين.
كما أشار الجرندي، إلي أنه سبق وأن كان له العديد من اللقاءات والاتصالات مع وزير الخارجية المصري سامح شكري، وكان آخرها جلسة العمل التي انعقدت بالقاهرة يوم 4 مارس 2020، والتي تم خلالها التأكيد على ضرورة تعزيز علاقات التعاون، وتكثيف التنسيق والتشاور بين البلدين على الصعيد الثنائي، وفي مجالات الانتماء المشتركة وفي المحافل الدولية، ولاسيما في مجلس الأمن الدولي، باعتبار عضوية تونس في هذا الهيكل الأممي الهام.
وفيما يتعلق بالتشاور والتنسيق المصري التونسي لدفع العملية السلمية فى ليبيا إلى الأمام، قال وزير الخارجية التونسى أن التشاور والتنسيق يتواصل حاليا بين تونس ومصر في أعلى مستوى، وفي هذا الإطار تتم اللقاءات بينه وبين نظيره المصرى سامح شكري، والتي كان آخرها في القاهرة بداية شهر مارس، حيث اتفقا على مواصلة التشاور بهدف تشجيع الأخوة الليبيين على المضي قدما في العملية السياسية، وتقديم المساعدة لهم لتحقيق ما يصبو له الشعب الليبي من نمو وازدهار في كنف الأمن والاستقرار، والحفاظ على سيادته ووحدة أراضيه.
وأوضح الجرندي أن بلاده شددت منذ البداية على أهمية دول الجوار في المساعي التي قامت بها المجموعة الدولية، وخاصة منظمة الأمم المتحدة، لحل الأزمة الليبية على أساس انتهاج الحل السياسي وتشجيع الحوار الليبي – الليبي، مضيفا أنه من هذا المنطلق بادرت تونس بإطلاق المبادرة الثلاثية التونسية المصرية الجزائرية، الهادفة لجمع الأخوة الليبيين على طاولة الحوار، والتي ساهمت في بلورة أسس الحل السياسي في ليبيا، المبنية على استبعاد الخيار العسكري، وجميع التدخلات الأجنبية في الشأن الليبي، حفاظا على أمن ليبيا واستقرارها.
وفيما يتعلق بموقف تونس، بصفتها إحدى الدول الإفريقية، بشأن الموقف المصري السوداني تجاه أزمة سد النهضة، أعرب الجرندي عن تطلع تونس إلى مواصلة المفاوضات بين الدول الثلاثة، قصد التوصل إلى حل توافقي من شأنه أن يعزز الاستقرار بالمنطقة، بما يبقي نهر النيل فضاء مشتركا للتعاون والتفاهم والأمن والاستقرار لكل دول المنطقة وشريان حياة لشعوبها.
وأكد الجرندي أن الموقف التونسي يساند مساعي مصر والسودان التفاوضية مع أثيوبيا، وتطلع تونس لتسوية الخلاف بين الدول الثلاث من خلال الحوار، بما يفضي إلى اتفاق يخدم مصالحها في تحقيق التنمية، ويضمن أمن المنطقة واستقرارها، مشيرا إلي دعوة تونس لتفعيل جهود وساطة الاتحاد الإفريقي، والأطراف الدولية الأخرى الفاعلة للتوصل لحل دبلوماسي للأزمة.
وفيما يخص رؤية تونس لتطوير جامعة الدول العربية، قال الجرندي إن تونس التي تترأس الدورة 30 للقمة العربية، تواصل جهودها بالتنسيق مع بقية الدول الأعضاء، للدفع بمسيرة الإصلاح والتطوير لمنظومة العمل العربي المشترك، بما يمكن من رفع أداء الجامعة العربية ومختلف المنظمات العربية المتخصصة والمجالس الوزارية القطاعية، ويحقق تطلعات الشعوب في التكامل والاندماج.
ولفت الجرندي إلي أن الآليات المعتمدة منذ عقود قد حققت عددا من الإنجازات الهامة التي شملت العديد من المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلا أن الدول العربية مدعوة إلى مضاعفة جهودها ضمن اللجنة مفتوحة العضوية المخصصة لإصلاح وتطوير الجامعة العربية، وفرق العمل المنبثقة عنها، وذلك من خلال توخي منهجية عمل واضحة المرامي والأهداف، تمكن من وضع تصور شامل لرفع كفاءة آليات العمل داخل الجامعة العربية، وتأهيل هياكلها بما يؤمن فاعلية تحركاتها ويعزز مكانتها على الساحتين الدولية والإقليمية.
وأكد الجرندي، أن تونس التي ترأس هذه اللجنة، لن تدخر جهدا من أجل وضع رؤية مبتكرة، لتكتسب منظومة العمل العربي الفاعلية المنشودة لمواجهة التحديات المشتركة ومواكبة المستجدات، بما يسهم في استعادة زمام المبادرة في معالجة القضايا العربية، والتوظيف الأمثل لمقدراتنا وامتلاك المعرفة ومواكبة التقدم التكنولوجي والثورة الرقمية وكسب رهاناتها.
وتابع الوزير قائلا إن تونس تولي أهمية خاصة لزيادة انفتاح الجامعة على محيطها، ولاسيما من خلال تعزيز حضور المجتمع المدني العربي ومشاركته في عديد المجالات، وتؤكد ضرورة الانخراط الفاعل في مختلف مجالات التعاون الإقليمية والدولية، والاستفادة من مشاريع الشراكة معها، وتوسيع مجالاتها بما يشمل القطاعات الحيوية الاستراتيجية على غرار الرقمنة، والذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني.
وفي هذا السياق، أشار الجرندي إلي الدور الذي اضطلعت به تونس في الأمم المتحدة، بمناسبة عضويتها في مجلس الأمن في تطوير علاقات التعاون بين الجامعة العربية والأمم المتحدة، وذلك من خلال اقتراح آليات تعاون جديدة تم اعتمادها، بما سيتيح تعميق الفهم للقضايا العربية على المستوى الدولي، والمساهمة في إيجاد تسويات سياسية لها في كنف التضامن والحوار.
وبخصوص تنمية التعاون البناء بين مصر وتونس، قال الجرندي أن هناك توافق بين البلدين على أهمية عقد مختلف الاستحقاقات الثنائية بين البلدين، حتى تستعيد العلاقات الثنائية حركتها وديناميكيتها المعهودة قبل تفشي جائحة كورونا.
وفي هذا السياق، أكد الوزير التونسي أنه من المهم تعزيز مجالات التعاون الثنائي، واستكشاف ميادين جديدة مبتكرة، والعمل على تذليل العقبات التي لا تزال تعيق تطوير التعاون القائم، وبلوغه مستويات أرفع، لاسيما في المجال التجاري، والاقتصادي عموما، مؤكدا أن تونس شديدة الحرص على دعم هذا التعاون من خلال الاستفادة من الإمكانيات الحقيقية والفرص المتاحة في تونس ومصر.
وعلى المستوى الثقافي، قال أنه من المهم جدا استغلال القواسم المشتركة بين البلدين الشقيقين لزيادة تطوير التبادل الثقافي بين تونس ومصر، الذي يمثل عاملا مهما للإشعاع على المجالات الأخرى، لتعزيز التقارب بين الشعبين وعنصرا لتحصين الشباب ضد التطرف، موضحا أنه في هذا الإطار، هناك عديد من المقترحات لتنظيم أنشطة وفعاليات ثقافية في تونس ومصر خلال الفترة القادمة، وذلك أخذا في الاعتبار تطور الوضع الوبائي في البلدين.
وحول الزيارات المستقبلية المتبادلة بين مسؤوليي البلدين واجتماعات اللجنة العليا المشتركة، قال الجرندي إن تونس ومصر يجمعها العديد من آليات التعاون المثمرة والفعالة، على غرار اللجنة العليا المشتركة، ولجنة التشاور السياسي، واللجنة الوزارية للمتابعة، واللجنة التجارية والصناعية، بالإضافة إلى العديد من اللجان القطاعية والفنية الأخرى، وهي آليات لها دور هام في التواصل بين البلدين، وفي تطوير كافة مجالات التعاون وتعزيزها.
وأكد الوزير التونسي أن هناك حرص من الجانبين على أهمية عقد مختلف الاستحقاقات الثنائية، وفي مقدمتها اللجنة العليا المشتركة، ولجنة التشاور السياسي، فضلا عن التطلع إلى عودة العلاقات إلى حيويتها ونشاطها مثلما كانت عليه قبل جائحة كورونا، خاصة من خلال تكثيف الزيارات لكبار المسؤولين في البلدين، ورفع وتيرة التنسيق والتشاور التي تمثل خطوة هامة نحو تطوير العلاقات الثنائية.
وفيما يخص التنسيق التونسي المصري بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك، وخاصة فيما يتعلق بالقضايا الإفريقية والعربية، أوضح الجرندي أن ما تشهده المنطقة العربية من تطورات، تمثل حافزا لزيادة التشاور والتنسيق بين تونس ومصر، سواء على الصعيد الثنائي، أو على صعيد مختلف مجالات الانتماء المشتركة، وفي المحافل الإقليمية والدولية، مشيرا إلى أنه تم تسجيل تقارب وتطابق في وجهات النظر بخصوص القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
وشدد وزير الخارجية التونسي علي أن بلاده سعت إلى تعزيز سنة التشاور والتنسيق مع مصر بخصوص هذه القضايا، انطلاقا من الدور الفاعل الذي تضطلع به مصر إقليميا ومن مكانتها عربيا، وانطلاقا من موقف تونس المبدئي والثابت في الدفاع عن القضايا العربية والإفريقية ونصرتها في مختلف المحافل الدولية، والذي كان واضحا من خلال عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي، ورئاستها للقمة العربية.
وفيما يتعلق بمستوى التنسيق بين مصر وتونس بشأن خطط إصلاح الأمم المتحدة، وتوسيع مجلس الأمن، ومنح إفريقيا أكثر من مقعد دائم في مجلس الأمن، أوضح الجرندي أن تونس ومصر، تتقاسمان في إطار انتمائهما إلى المجموعتين العربية والإفريقية، نفس المشاغل ونفس الموقف من مسألة إصلاح مجلس الأمن، مضيفا أن تركيبة مجلس الأمن الحالية لا تعكس تمثيل الشعوب والقارات ولا المسائل المطروحة على جدول أعمال المجلس، حيث أن أكثر من 80% من هذه المسائل تتعلق بالمنطقتين العربية والإفريقية، في حين أن دول المنطقتين غير ممثلة على الإطلاق بفئة المقاعد الدائمة بمجلس الأمن، بالإضافة إلى ذلك، ظلت هاتان المنطقتان تاريخيا المتأثر الأكبر باستخدام الفيتو.
وأكد أنه من هذا المنطلق، فإنه يعتقد أن تونس والدول العربية والإفريقية، متفقون على ضرورة إصلاح هذا الجهاز الأممي الهام لضمان أن تكون كافة المجموعات الجغرافية والإقليمية ممثلة بشكل عادل ومتناسب في عضوية المجلس.
وفيما يخص إصلاح منظومة الأمم المتحدة بصفة عامة، قال إن تونس، مع سائر الدول الأعضاء، تشجع الأمين العام للأمم المتحدة في جهوده الرامية إلى إصلاح هذه المنظومة العريقة، خدمة للمبادئ والأهداف التي أسست من أجلها ومن أجل مجابهة التهديدات المستجدة التي يواجهها العالم.
وحول التنسيق بين مصر وتونس لتعزيز الاستفادة من اتفاقية الشراكة الاقتصادية الموقعة مع الاتحاد الأوروبي، قال وزير الخارجية التونسي أن اتفاقية أغادير المبرمة سنة 2005، والتي تضم البلدين الشقيقين تونس ومصر إلى جانب كل من الأردن والمغرب و وفلسطين ولبنان، تعتبر إحدى أهم أطر التشاور المتعددة بين البلدين فيما يتعلق بتنسيق المواقف بشأن الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، لكن محدودية التبادل التجاري بين بلدان جنوب المتوسط الشريكة للاتحاد الأوروبي تشكل إحدى أهم العوائق التي تحد من وجود علاقات تعاون أكثر توازنا وتكافؤا بين البلدان العربية المتوسطية، ومن بينها تونس ومصر والجانب الأوروبي.
وأضاف الوزير أن اتفاقية أغادير التي تهدف إلى إقامة منطقة للتبادل الحر بين الدول العربية المتوسطية، شكلت خطوة على طريق التحضير لاستحقاقات 2010 المرتبطة بإقامة منطقة التبادل الحر الأورومتوسطية، وقد ساهمت هذه الاتفاقية بشكل ملموس في تحرير ودفع المبادلات التجارية بين البلدين الشقيقين تونس ومصر، وكذلك مع بقية البلدان الأطراف في هذه الاتفاقية ويبقى الأمل قائما في التحرير الكامل لهذه المبادلات.
وفيما يخص العلاقات التونسية الأمريكية مع تولي جو بايدن للسلطة، قال الجرندي إنه ولئن يعتبر فوز بايدن بمثابة نقطة تحول في بعض ملامح التوجهات الخارجية للولايات المتحدة (على غرار عودة الرؤية التقليدية للدبلوماسية الأمريكية، واستعادة الاهتمام بالعمل متعدد الأطراف، وبالمنظمات الدولية)، فإن محاور السياسة الخارجية الأمريكية تتسم عموما بنوع من الاستمرارية وذلك باختلاف الحزب الحاكم، وهو ما يندرج في إطار استمرارية الدولة وتناسق مصالحها وتوجهاتها الكبرى.
وأكد الوزير التونسي أن بلاده تحظى منذ القدم بدعم أمريكي من الحزبين الديمقراطي والجمهوري ، وتندرج علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية في إطار رؤية شاملة ومتناغمة حسب المصالح المشتركة للبلدين وللشعبين الصديقين، وذلك بصرف النظر عن اللون السياسي للماسك بزمام السلطة، سواء بالبيت الأبيض أو بالكونجرس.
وعبر الجرندي عن ترحيبه بما أعلنت عنه الإدارة الأمريكية الجديدة من توجهات في مجال السياسة الخارجية، عبر العودة إلى ثوابت الالتزام بالقيم الكونية، وفي مقدمتها الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو ما يمثل فرصة بالنسبة لتونس من أجل تعزيز علاقاتها بالولايات المتحدة، نظرا للأشواط التي قطعتها بلاده في سبيل الانتقال إلى مصاف الدول الديمقراطية وعزمها الراسخ على استكمال مسارها الانتقالي بنجاح.
وأضاف أن علاقات التعاون التونسي الأمريكي تكتسي أهمية استراتيجية بالنسبة لبلاده، حيث شهدت تطورا نوعيا على المستويات السياسي والاقتصادي والأمني لاسيما خلال السنوات الأخيرة في ضوء الشراكة الاستراتيجية التي تم إرساؤها بين البلدين سنة 2014، ومنح تونس صفة "الحليف الأساسي غير العضو في منظمة الناتو".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة