يعتبر جامع الحاكم بأمر الله رابع أقدم المساجد الجامعة الباقية بمصر وثاني أكبر جوامع القاهرة اتساعا بعد جامع ابن طولون، حيث أمر بإنشائه الخليفة العزيز بالله الفاطمي في سنة 379هـ /989م وتوفي قبل إتمامه فأتمه ابنه الحاكم بأمر الله 403هـ/ 1013م .
ويقع الجامع حاليًّا بنهاية شارع المعز لدين الله الفاطمي "بحي الجمالية"، بجوار باب الفتوح، حيث كان المسجد وقت تشييده خارج أسوار القاهرة القديمة التى شيدها جوهر الصقلى"382هـ /992م"، ثم أصبح داخل حدود المدينة بعد أن قام بدر الجمالى"487هـ/ 1094م" بتوسعة المدينة وتشييد الأسوار الحالية.
ويصف المقريزى الجامع فيقول: هذا الجامع خارج باب الفتوح أحد أبواب القاهرة وأول من أسسه أمير المؤمنين العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله، وخطب فيه وصلى الناس الجمعة، ثم أكمله ابنه الحاكم بأمر الله، فلما وسع أمير الجيوش بدر الجمالى القاهرة وجعل أبوابها حيث هي اليوم، صار جامع الحاكم داخل القاهرة، وكان يعرف أولا بجامع الخطبة، ويعرف اليوم بجامع الحاكم ويقال له الجامع الأنور.
وقد سجل على باب الجامع وكذا منبره، اسمه وتاريخ البدء في اتمامه فقد ذكر ابن عبد الظاهر: وعلى باب الجامع الحاكمى مكتوب بأنه أمر بعمله أبو منصور في سنة 393 هـ، وعلى منبره مكتوب أنه امر بعمل هذا المنبر للجامع الحاكمى في سنة 403 هـ.
وقد توالت يد التجديد والتعمير على هذا الجامع، ففي عهد الخليفة المستنصر عندما جدد سور القاهرة الشمالى وادخل جامع الحاكم داخل الأسوار جددت بعض أجزاء المئذنة الشمالية الغربية وقد سجل ذلك عليها، إذ كتب عليها أن ذلك بنى سنة ثلاثين وأربعمائة في زمن المستنصر بالله ووزارة أمير الجيوش، وقد تصدعت بعض جدران المسجد أثر الزلزال الذى حدث سنة 702 هـ فأمر برم ما تهدم منه الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير وأعاد ما سقط من البدنات وأقام سقوف الجامع وبيضه حتى عاد جديدًا وجعل له عده أوقاف بناحية الجيزة وفى الصعيد والإسكندرية، كما رتب فيه دروسا أربعة لقراءة الفقة على مذاهب الأئمة الأربعة وقرر درسا للحديث النبوى وجعل لكل درس مدرسا وعددا كبير من الطلبة، حسب كتاب "مساجد مصر وأولياؤها الصالحون"، للدكتورة سعاد ماهر محمد.
وقد جدد الجامع وبلط جميعه في أيام الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون، ويقول على مبارك وفى سنة 1222 هـ جدد به عمر مكرم أربع بوائك من مؤخرة فجعلت مسجدا به منبر وخطبة ومطهره واخليه، وبجوار جامع الحاكم من الجهة الغربية مدفن بناه الحاكم لنفسه ولم يدفن به، وعرف فيما بعد بمدفن الساعى، وهو بناء متسع تعلوه قبة ومبخرة مرتفعة، وفيه شواهد على أسماء الموتى المدفونين هناك.
أما التخطيط الأساسى لجامع الحاكم فيتكون من صحن مكشوف تحيط به من جهاته الأربع أروقة مسقوفة، ويتكون أيوان القبلة من خمسة صفوف من العقود المحمولة على دعائم مستطيلة أركانها مستديرة على هيئة أعمدة ملتصقة، ويشتمل كل الرواق البحرىوالقبلى على ثلاثة صفوف من الدعائم، أما الرواق الغربى فيشمل على صفين من الدعائم فقط، ويتوسط رواق القبلة مجاز مرتفع ينهى بقبة أمام المحراب، وفى طرفى جدار القبلة أقيمت قبتان، جدد رقبة الجنوبية منهما ولم يبق من الأخرى سوى ركن واحد من أركانها ولكن مصلحة الآثار أعادتها إلى حالتها الأولى، أما المحراب الأصلى فلم يبق منه غير تجويفة فقد نقلت إدارة لجنة حفظ الآثار العربية الكسوة الرخامية التي كسى بها عمر مكرم هذا المحراب إلى متحف الفن الإسلامي.
ويمتاز جامع الحاكم بأن المدخل الرئيسى للجامع يبرز عن سمت واجهته الغربية، وهذه الظارهة ليس لها مثيل إلا في جامع المهيدة بتونس الذى يرجع إلى أوائل القرن الرابع الهجرى، ثم وجدت بعد ذلك في جامع الظاهر بيبرس البندقدارى، وتنتهى الواجهة الغربية ببرجين يتكون كل منهما من مكعبين يعلو أحدهما الأخر، المكعب الأول يرجع إلى وقت إنشاء الجامع والمكعب الثانى من عمل بيبرس الجاشنكير، ويوجد في البرج الشمالى مئذنة أسطوانية الشكل، اما في البرج الجنوبى فتوجد مئذنة أخرى تبدأ مربعة ثم تنتهى بمثمن، وقد نقش على بدن المئذنتين زخارف نباتية وهندسية غاية في الدقة والإبداع، كما حليت بأشرطة كتابية بالخط الكوفى المزهر.
للمسجد تاريخ مثير للاهتمام حيث اتخذته الحملة الفرنسية، مقرًا لجنودها واستخدمت مئذنتيه كأبراج للمراقبة، وقد استخدمت ظلة قبلته كأول متحف إسلامي بالقاهرة أطلق عليه دار الآثار العربية.
العزيز بالله هو ابن المعز لدين الله، ولد بالمغرب وأمضى بها عهد الصبا والشباب المبكر، ثم شارك أباه في تحمل مسئوليات الدولة وأعبائها، وكان شغل العزيز لدين الله الشاغل في ذلك الحين هو النحاج فيما يحققه أسلافه وأجداده، وهو فتح مصر تمهيدًا لمد النفوذ الفاطمى إلى الجزيرة العربية وبلاد الشام حتى تحل الدولة الفاطمية مكان الدولة العباسية التي دب فيها الضعف والاضمحلال.
تتبع العزيز بالله أمر فتح مصر منذ مولده وساهم فيه حتى كتب له النجاح، فخرج العزيز بالله مع ابيه الخليفة المعز إلى الله مصر التي استقر فيها مع أبيه بحيث لم يمض عامان على قدومة إليها حتى تولى فيها الخلافة الفاطمية وأصبحت الدولة الفاطمية في عهده امبراطورية كبرى.
توفى المعز لدين الله في شهر ربيع الثانى سنة 365 بعد أن حكم أربعا وعشرين سنة منها سنتان في مصر وبعد أن عهد لابنه العزيز بالله بالخلافة من بعده، وتولى العزيز بالله الخلافة في شهر ربيع الثانى سنة 365 هـ، وهو في الثانية والعشرين من عمره.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة