تحتوى الدنيا على هموم متعددة، يعرفها الذين يعانون منها فقط، ومن هذه الهموم الشعور بالوحدة أن يقف الإنسان فى منطقة "الصفر" دون شريك يأخذ بيده أو أنيس يملأ دنياه بالصخب، ويشعره بأهمية البقاء.
نواصل التوقف عند بعض آيات سورة الأنبياء في القرآن الكريم، يقول الله سبحانه وتعالى على لسان نبيه زكريا، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، "وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِى فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ"، يعرف سيدنا زكريا أن الله سبحانه وتعالى هو خير الوارثين وأفضلهم، ولكن ذلك لا يمنع رغبة عنده وأملا فى نفسه أن يرزقه الله بمن يحمل اسمه، ويحمل أفكاره ورسالته.
كلما قرأت قصة سيدنا زكريا، فى آيات القرآن الكريم، وتأملت طلبه من الله سبحانه وتعالى أن يرزقه بالولد، أرى فى ذلك بحثًا عن الأمل، والإنسان بلا أمل شىء محطم مهدم، وبالطبع ليس كل الناس أملها ذرية، فلكل منا أمله الذى يرغب فيه، ويتمنى تحقيقه، ولكن أمل سيدنا زكريا أن يرزقه الله ولدًا.
ويذهب المفسرون إلى أن هذه الرغبة من سيدنا زكريا كانت بحثًا عن إنسان يكمل دعوة الله لبنى إسرائيل، كى يحميهم من أنفسهم ويكشف لهم عيوبهم ويرشدهم طريق الهداية، وهذا قول حق، ولكن من زاوية أخرى فإن سيدنا زكريا إنسان، ووجود ذرية له يعنى الشعور بالاستمرارية وهو شعور طبيعى، لأن الله سبحانه وتعالى جعل طبيعة الإنسان مجبولة على إعمار الأرض وإعمار حياته.
ونحن نأمل فى الذرية ونرجوها من الله، لأننا تخاف الوحدة، نخاف أن نعيش منعزلين، نأمل ونرجو على الرغم من كوننا لا نعرف المستقبل، ولا نعلم كيف ستصبح أيام أبنائنا المقبلة، ولكننا نأمل الخير، نحن نفكر بطريقتنا البسيطة الآنية، أما الغد فهو عند الله سبحانه وتعالى.
ونجد معنى آخر نخرج به من موقف سيدنا زكريا، عليه السلام، يرتبط بالاستجابة "فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ" فسيدنا زكريا نبى وحبيب لله، ولكن صفاته وأخلاقه كانت جزءا أساسيا فى استجابة دعوته، إنه وزوجته كانوا ممن يسارعون فى فعل الخير، والخير لا يجلب سوى الخير، والصفات الحميدة عادة ما تكون سببا فى جبر خواطر المتقين.