"الشيك".. صك "محرر" مكتوب وفق أوضاع شكلية استقر عليها العُرف التجاري، وهو مكون من ثلاثة أطراف، ويتضمن أمرا صادرا من صاحب الشيك " الساحب" إلى طرف آخر مسحوب عليه، وهو البنك، وذلك بأن يدفع البنك مبلغاً من المال للطرف الثالث وهو المستفيد، ويسمى أيضاً حامله أو "لأمره" وذلك عند الاطلاع، أي بمجرد تقديم الشيك.
ويخلط العديد من المحامين بين التقادم الجنائي والصرفي للشيك بل أنه في نطاق التقادم الصرفي يحدث الخلط بين مواعيد تقديم الشيك للوفاء للبنك وبين مدة التقادم الصرفي، وذلك كله رغم صدور قانون التجارة الجديد في 1999 وتعديل أحكام الشيك فيه عام 2004، وقانون التجارة في مسألة تنظيمية التقادم الصرفي للشيك في المادة 531 المعدلة بالقانون 156 لسنة 2014 لم يقرر سريان هذا التقادم على الدعوي الجنائية الناشئة عن جرائم الشيك، وإنما تركها للقواعد العامة في قانون الإجراءات الجنائية، إذ قرر المشرع فقط في قانون التجارة سريان هذا التقادم الخاص على دعوي حامل الشيك أي المستفيد والمظهر له الشيك بطلب قيمة الشيك وليس الدعوي الناشئة عن جرائم الشيك.
كيف أحيت النقض "الشيك" بعد سقوطه للحفاظ على أموال أصحاب الحقوق؟
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على تصدى محكمة النقض لأزمة تقادم الشيك وضياع حقوق أصحابها، وذلك من خلال استحداث دعوى قضائية جديدة باسم " دعوى الإثراء بغير وجه حق" على غرار "دعوى الإثراء بلا سبب" ، حيث أرست المحكمة قاعدة بأن لحامل الشيك، بمقتضى دعوى جديدة خاصة بالشيك وحده، هي إقامة دعوى الإثراء بغير وجه حق حال تقادم الشيك أو سقوطه وحال عدم الوفاء بقيمته، حيث أن كل ما تشترطه دعوى الإثراء بغير وجه حق المستحدثة هو انقضاء دعوى الصرف للمطالبة بقيمة الشيك بالتقادم، وثبوت عدم وجود الرصيد أو عدم كفايته قبل اكتمال مدة التقادم، وبغير حاجة لإثبات الافتقار في جانب الحامل أو الإثراء في ذمة الساحب أو المُظَهِر – بحسب الخبير القانوني والمحامي بالنقض علاء مبروك.
في البداية - نص القانون في المادة 531 من قانون التجارة على أن: "تقادم دعاوى رجوع حامل الشيك على الساحب والمظهرين وغيرهم من الملتزمين بدفع قيمة الشيك بمضي 6 أشهر من تاريخ تقديمه للوفاء أو من تاريخ انقضاء ميعاد تقديمه – وفقا لـ"مبروك".
أ- وتتقادم دعوى حامل الشيك على المسحوب عليه بمضي "3 سنوات" من تاريخ تقديمه للوفاء أو من تاريخ انقضاء ميعاد تقديمه.
ب- وتتقادم دعاوى رجوع الملتزمين بعضهم على البعض الآخر بمضي "6 أشهر" من اليوم الذي أوفى فيه الملتزم قيمة الشيك أو من يوم مطالبته قضائياً بالوفاء.
المحكمة استحدثت دعوى جديدة باسم "الاثراء بغير وجه حق" لسداد مبلغ الشيك
وجاء في المذكرة الإيضاحية لقانون التجارة الجديد - رقم 17 لسنة 1999 - ما نصه: "عالج المشرع في المادة 531 مسألة تقادم دعاوى رجوع حامل الشيك على نحو مساير لطبيعة الشيك باعتباره أداة وفاء، فإذا لم يتمكن الحامل من ذلك، كان عليه أن يستعمل حقه في الرجوع في مواعيد قصيرة، لذلك خفض المشرع مدة تقادم دعاوى رجوع الحامل على الساحب والمُظهرين وغيرهم من الملتزمين بدفع قيمة الشيك، إذ حددها بستة أشهر، تحسب من تاريخ تقديمه للوفاء إذا تقدم به الحامل، أو من تاريخ انقضاء ميعاد تقديمه إذا لم يتقدم به".
ترفع الدعوى حال تقادمه وعدم الوفاء بقيمته
وينتج عن تقادم الدين أو السند انقضاء الالتزام القانوني، وإن كان ينشأ عنه التزام طبيعي، وفقاً للقواعد العامة، "ولكنه لا يجوز المطالبة به قانوناً"، وبالنسبة للشيك، فإنه يجوز لحامل الشيك – رغم تقادم دعوى المطالبة بقيمته وفقاً للتقادم الصرفي القصير – أن يرجع على الساحب بدعوى مدنية بأصل الدين للمطالبة برد ما أثرى به الساحب على بغير وجه حق على حساب حامل الشيك.
وتنص المادة 532 من قانون التجارة على أنه: "يجوز لحامل الشيك رغم تقادم دعوى المطالبة بقيمته أن يطالب الساحب الذى لم يقدم مقابل الوفاء أو قدمه ثم استرده كله أو بعضه برد ما أثرى به بغير وجه حق، وكذلك يجوز للحامل توجيه هذه المطالبة إلى كل مظهر يحقق إثراء بغير وجه حق".
التقادم مبني على قرينة الوفاء:
و تنص الفقرة الثانية من المادة 378 من القانون المدني - الشريعة العامة للمعاملات - على: "ويجب على من يتمسك بأن الحق قد تقادم ... أن يحلف اليمين على أنه أدى الدين فعلاً، وهذه اليمين يوجهها القاضي من تلقاء نفسه وتوجه إلى ورثة المدين أو أوصيائهم إن كانوا قصراء بأنهم لا يعلمون بوجود الدين أو يعلمون بحصول الوفاء".
فحقوق التجار والصناع عن أشياء وردوها، تتقادم بسنة واحدة، والتقادم هنا مبني رأساً على قرينة الوفاء، ومن ثم فقد أوجبت الفقرة الثانية من المادة 378 مدني على المدين الذي يتمسك بأن الحق قد تقادم بسنة، أن يحلف اليمين على أنه أدى الدين فعلاً، فإن نكل، فقد انقضت قرينة الوفاء، وبقي الحق قائماً للدائن أن يستوفيه، وكذلك التقادم الخاص بالدعاوى الناشئة من الكمبيالات والسندات الأذنية ونحوها من الأوراق التجارية، فهو يقوم على قرينة الوفاء.
التقادم الصرفي يقوم على "قرينة الوفاء" المستفادة من السكوت عن المطالبة
ولكن لما كان القانون يفرض هنا – نظراً لقصر مدة التقادم – أن المدين قد وفى الحق في خلال سنة من وقت استحقاقه، فقد جعل هذه القرينة قابلة لإثبات العكس عن طريق توجيه القاضي لليمين، من تلقاء نفسه، إلى المدين، فيحلف على أنه أدى الدين فعلاً، فإذا حلف سقط الدين بالتقادم، وإذا نكل عن الحلف، ثبت الدين في ذمته، ووجب عليه وفائه، ولا يتقادم هذا الدين بعد ذلك إلا بخمس عشرة سنة من وقت صدور الحكم أو من وقت النكول إذا لم يصدر حكم.
فالتقادم الصرفي يقوم على "قرينة الوفاء" المستفادة من السكوت عن المطالبة طوال المدة المقررة، ولكن هذه القرينة يجوز دحضها وإثبات عكسها بإقرار المدين بعدم الوفاء، إذ أن هذا الإقرار يفضي إلى سقوط دلالة قرينة الوفاء، وينبني على ذلك أنه لا يجوز للمدين أن يتمسك بالتقادم إذا أقر بوجود الدين وعدم الوفاء به، وهذا الإقرار قد يكون صريحاً أو ضمنياً، ويُستخلص الإقرار الضمني بوجه خاص: إذا أنكر المدين وجود الدين أو إذا تمسك بأي دفع لا يتفق مع قرينة الوفاء، كالدفع بالإبراء أو المقاصة أو البطلان أو صورية الدين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة