فى الزمن الجميل، كانت الأفراح تبدأ والزغاريد تعلو أصواتها مع بدء اليوم الأول لوصول المنجد البلدى إلى منزل العريس استعدادا لتجهيز المراتب، والمخدات، واللحاف البلدى، وكأنه يطلق شارة بدء العٌرس ومع هذه الزغاريد يستمر المنزل فى حالة فرح طيلة أيام التنجيد، فضلا عن "النقوط" الذى كان يجمعه المنجد من الأقارب والأحباب، فضلا عن ظهور التنجيد للعرائس والعرسان تزامنا مع جنى القطن الذى أثر قلة زراعته على المهنة.
هذه المظاهر بدأت كلها فى الاختفاء بعد ظهور المراتب الجاهزة واللحاف الفيبر وغيرها من المسميات، إلا أن أصحاب المهنة يراهنون على استمرار مهنتهم فى ظل ظهور عيوب الصناعة والمراتب الجاهزة واستحالة إعادة تدويرها.
فى مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية على بعد أمتار من مديرية أمن الشرقية، يقع محل قديم يتحدى الزمن واندثار مهنة المنجد البلدى، اكتسب المحل الذى فتحت أبوابه لأول مرة عام 1960 سمعة طيبة من كافة المحافظات، حيث غرس الراحل الحاج "حسين هنداوي" مبدأ الأمانة فى العمل وتوارثها بعده نجله المهندس "عادل هنداوى"، المحل يكسب يوميا زبائن جدد على سيرة وسمعة الأب الراحل منذ 30 عاما.
المهندس عادل اثناء تصنيع الملايات
عادل هنداوى 67 عاما ، حاصل على بكالوريوس هندسة مدير كهرباء بالمعاش، ورث المهنة من أبيه، بعد زواجه أراد تحسين دخله، فساعد أبيه فى المحل وتعلم منه فنون ومهارات فن التنجيد، وطوال فترة عمله مهندسا فى الكهرباء لم يمتنع عن نزول المحل والعمل فيه، رافعا شعار العمل الشريف يرفع من قدر صاحبه، واستطاع أن يطور من المهنة ويواكب العصر، ويومه يبدأ فى التاسعة صباحا حتى نهاية اليوم.
المهندس عادل طور فى التنجيد لمواكبة العصر
قائلا: "مهنة المنجد مازالت رافعة راية التحدى، على الرغم من المواجهات الصعبة التى تواجهها للاستمرار وعدم الاندثار، التنجيد فن له ناسه اللى بتقدره، والتنجيد الجاهز مهما طلع عمره ما يغطى عليه، لكنه ترك أمور التنجيد البلدى فى المحل لشقيقه "طارق" 60 عاما الحاصل على بكالوريوس تجارة، ويتقاسما سويا العمل فى محل والدهما، وحرص هو على التطوير ومواكبة العصر، من حيث عمل الملايات والمفروشات والركنيات الإفرنجى على حسب طلب الزبون، بحيث يظل المحل مفتوحا مواكبا العصر، قبل أن يشير إلى أن التفصيل فى التنجيد له فوائد كبيرة عن التنجيد الجاهز، لأنه صحى ونظيف ويشرب المياه الناتجة عن العرق أثناء النوم، ويسهل إعادة تدويره عن الجاهز، الذى تقل قيمته فى حال حدوث قطع فيه".
المهندس عادل هنداوى
وتابع أن الناس القدامى لا تستطيع النوم إلا على المخدات المصنوعة من القطن، وأخر شئ صنعه كان جهاز عروسة، لكن الجيل الجديد يفضل شغل التصنيع، حتى أبناء الريف منهم أصبحوا يفضلون الشغل الجاهز لكن المهن لها ناسها من الطبقات الراقية التى تفضل التنجيد البلدى وخاصة كبار السن.
المهندس عادل يروى ذكرياته مع الزمن الجميل
وأشار إلى أن المهنة عزيزة عليه وتجرى فى عروقه ،لأنها أصبحت تقل مع الزمن ولها رونقها عند محبيها، ودائما يبدع فى تصميمات جديدة فى مجال التنجيد حتى يظل ينافس فى السوق، ويظل محل والده مفتوحا ويستقبل زبائن من كافة المحافظات.
وعن ذكرياته مع الزمن الجميل قال: فترة جنى القطن كانت تمثل لنا موسم وفرحة كبيرة حيث كانت الأسر وخاصة الريفية تنتظر جنى القطن لبدء تحضير فرش العروسين، وكان المحل يكتظ بالزبائن وكانت أجمل أيام رغم البساطة فى كل شيئ وفى الأجر لكن كانت أيام تحمل معنى جميل ومحبة لمن عاشها والمهنة ستظل فى دم كل إنسان عمل فيها لأنها تراث من الزمن الجميل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة