كانت زيارة رئيس الوزراء اليونانى كيرياكوس ميتسوتاكيس، إلى مصر، ولقاؤه مع الرئيس السيسى استمرارا للتطور الكبير فى العلاقات المصرية اليونانية، التى شهدت نموا ملحوظا فى حجم التعاون والتنسيق المشترك حيال العديد من القضايا، سياسيا واقتصاديا وعسكريا على المستوى الثنائى أو فى إطار آلية التعاون الثلاثى بين مصر وقبرص واليونان، والذى يمثل نموذجا للعمل والتعاون الإقليمى، خاصة مع العلاقة الخاصة التى تربط الشعبين المصرى واليونانى، والتى تمثلت فى تقارب ثقافى واجتماعى، لا يزال يلقى بظلاله على الشعبين، كجزء من الثقافة المتوسطية، حيث عاش الكثير من اليونانيين فى مصر لعقود، وما زالوا يرتبطون بهذا الرباط الاجتماعى والثقافى، ويحملون للمصريين كل ود، وهو نفس ما يحمله المصريون لليونانيين، والذين واصل بعضهم حياته فى مصر وارتبط مع أجيال فى اليونان والعكس فى هذا الإطار.
من هنا يمكن تفهم الخصوصية السياسية والثقافية، التى تعكس سهولة التعاون وبناء العلاقات القوية مع مصر ودول المتوسط عموما، والتى تمثل إحدى الدوائر السياسية والثقافية، التى أحيتها الدولة المصرية والرئيس عبدالفتاح السيسى، طوال السنوات السبع الماضية.
فقد كانت الدولة المصرية دائما تعتبر وجودها وأمنها ضمن الدوائر الثلاث التقليدية، الدائرة العربية، والتى ترتبط فيها مصر بسياقها وتاريخها العربى، وكان البعد العربى أحد الروافد المهمة، استنادا لوحدة اللغة والجغرافيا والمصير.
ثم تأتى الدائرة الأفريقية لتمثل إحدى دوائر مصر فيما يتعلق بالجغرافيا، وتشابك المصائر، والعلاقات التاريخية لمصر بقارتها، والتى تضم أيضا دولا عربية وإسلامية، فضلا عن دول حوض النيل، والعلاقات التاريخية والسياسية التى يدعمها الموقف المصرى الداعم للتحرر واستقلال الدول الأفريقية، وفتح آفاق التعاون ضمنا للمصالح المشتركة، وبالطبع فإن الدائرة الإسلامية وهى التى ترتبط معها مصر، وتتداخل مع الدائرتين الأفريقية والعربية، فضلا عن الدور المصرى فى المنظمات الإقليمية والقارية.
وظلت الدائرة المتوسطية ضمن أهداف مصر بحكم الجغرافيا والتاريخ، بل إن مفكرا مثل عميد الأدب العربى طه حسين، كان قد طرح فى كتابه «مستقبل الثقافة فى مصر»، ما رأى أنه متوسطية مصر، وهى نظرية واجهت بعض الحوارات، لكنها نبهت مع مفكرين آخرين إلى أهمية الدائرة المتوسطية لمصر، بحكم حركة التجارة والثقافة والسياسة، خاصة أن موقع مصر على الخريطة يشكل مكانة وموقعا يجعلها دائما مجالا للتأثير والتأثر.
وتحرص الدولة المصرية حاليا على تقوية دوائرها، عربيا وإسلاميا وأفريقيا، مع الانخراط فى توسيع علاقاتها المتوسطية، ضمن سياسة تقوم على التعاون والتنسيق والحوار، ومن هنا تأتى العلاقات المصرية اليونانية، بين بلدين تجمعهما روابط تاريخية تمتد إلى الحضارتين الفرعونية والإغريقية منذ ثلاثة آلاف عام، ما انعكس على نقل وحفظ وتطوير الثقافة الإنسانية.
وحديثا تواصلت العلاقات وتطورت بين القاهرة وأثينا، وكان لقاء الأمس بين الرئيس عبدالفتاح السيسى، ورئيس الوزراء اليونانى كيرياكوس ميتسوتاكيس، ضمن طفرة فى العلاقات بين البلدين، فيما يتعلق بالتبادل التجارى والاستثمار والربط الكهربائى والغاز الطبيعى والسياحة وتبادل الخبرات.
إقليميا هناك توافق مصرى يونانى حول الوضع فى منطقة شرق المتوسط والقائم على ضرورة التزام كل الدول باحترام القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة، ومبادئ عدم التدخل فى الشؤون الداخلية واحترام السيادة والمياه الإقليمية للدول، وشدد الرئيس على تضامن مصر مع اليونان حيال أية ممارسات من شأنها انتهاك سيادتها.. وتوافق مصرى يونانى حول الوضع فى ليبيا وأهمية دعم المسار السياسى وصولا لانتخابات ديمقراطية نهاية العام، مع التأكيد على «أهمية خروج كل القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضى الليبية، وتفكيك الميليشيات المسلحة بما يضمن استعادة عودة ليبيا لأبنائها، واستعادتها لسيادتها ووحدة أراضيها واستقرارها».
وأيضا هناك توافق حول الموقف من القضية الفلسطينية، ودعم عودة مفاوضات السلام، للتوصل إلى تسوية نهائية، وفق قرارات الشرعية الدولية.
وبالطبع هناك اتفاق مصرى يونانى على أهمية تعزيز آلية التعاون الثلاثى القائمة بين مصر وقبرص واليونان، لمواصلة التنسيق السياسى والتعاون الفنى بينها، وضرورة العمل على تحقيق الاستفادة القصوى من هذه الآلية التى تجمع دولنا الثلاث تحديدا بحكم تفرد تلك العلاقة وتلاقى المصالح المشتركة نحو تحقيق الأمن والاستقرار فى المنطقة.
وأكد رئيس وزراء اليونان، على دعم مصر فى موقفها من سد النهضة وضمان التوصل لاتفاق نهائى ملزم، استنادا إلى أن قضية المياه هى قضية وجود لمصر.
التعاون والحوار والحق هى ثوابت مصر فى سياستها وعلاقاتها مع الدائرة المتوسطية ودوائرها الإقليمية والدولية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة