لا حديث يعلو على موضوع المياه، ولأن لكل أزمة توابعها، فإن موضوع سد النهضة جعل هناك الكثير من الأحاديث والتقارير والمعلومات، بعضها يقوم على معلومات حقيقية، والآخر يدخل فى إطار الادعاءات، ومع شيوع وانتشار أدوات التواصل ومنصات النشر، تتسرب الكثير من التقارير والأرقام، التى تنتزع من سياقها، أو تدخل ضمن المبالغة والتخويف.
اتساع منصات النشر، يجعل من المهم إتاحة المعلومات الضرورية والتحليلات البسيطة التى تهم الناس، ويأتى دور الخبراء فى مجالاتهم، بوصفهم الأقدر على تقديم المعلومات بشكل يجعل الرأى العام على اطلاع ومعرفة، خاصة وقد أصبح لدى المواطن رغبة فى التعرف على قضية المياه التى لم تشغل الناس على مدى عقود، لكنها اليوم قضية وجودية لا تحتمل التهاون، ولهذا تابع المواطنون جلسة مجلس الأمن الأخيرة، وقبلها أخبار المفاوضات الأفريقية، وفى الولايات المتحدة، وموقف مصر والسودان، والموقف الإثيوبى.
واللافت أن هناك قضية ربما لم تحظ بالاهتمام، وهى قضية إدارة المياه ومنها مياه النيل، خلال السنوات الأخيرة ومن بين المشروعات الكبرى، هناك محطات لتنقية مياه الصرف الزراعى والصحى، ومحطات تحلية، وهى مشروعات تقوم بها الدولة مع التأكيد على ضمان حصة مصر من نهر النيل، والسبب أن مصر، مع التوسع فى التنمية والزيادة السكانية، تحتاج إلى ضعف المياه التى ترد من نهر النيل. الحصة ثابتة 55 مليار متر منذ كان تعداد السكان 30 مليونا، تضاعف السكان أكثر من ثلاث مرات، وبالتالى فإن التحرك فى ترشيد وتحلية وإعادة تدوير المياه لا يرتبط بسد النهضة، وإنما بالاحتياجات، وموازنة المياه مثل موازنة الدولة تقوم على توازن الدخل مع الإنفاق.
ومن هنا تأتى أهمية الجلسة الحوارية التى نظمها المجلس الأعلى للإعلام، برئاسة الكاتب الصحفى كرم جبر، مع الدكتور محمد عبدالعاطى، وزير الرى والموارد المائية، بحضور كبار الكتاب الصحفيين والإعلاميين بالقناطر الخيرية. اللقاء أتاح بعض المعلومات المتعلقة بالنيل وموارده وطريقة إدارته، والطرق الحديثة بها فى الرى والزراعة، بشكل يضاعف الإنتاج ويقلل الإنفاق، ومع التأكيد على أن مصر لن تتنازل عن حقوقها التاريخية فى مياه النيل، ومع حق الشعب الإثيوبى فى التنمية، دون المساس بحقوق مصر والسودان فى مياه النيل.
اللقاء كان فرصة لطرح أسئلة والاستماع للخبراء، وأن ضمان حق المصريين فى النيل يتوازى مع خطط لمضاعفة الاستفادة من المياه، وزير الرى الدكتور محمد عبدالعاطى، أكد أن الدولة جاهزة للتعامل مع أى طارئ فيما يخص قطاع المياه، وهناك تنسيق بين جميع أجهزة الدولة للتعامل حول قضية سد النهضة، وأن أزمة سد النهضة بسبب عدم وجود اتفاق أو تنسيق، ونحن ندعو للسلام والتعاون بين كل الدول.
وزير الرى قال: إن الوزارة تبذل جهودا كبيرة لضمان الاستفادة القصوى من كل قطرة مياه، مشيرا إلى التأثير الإيجابى لمشروع تأهيل الترع فى تحقيق عدالة توزيع المياه بين كل المزارعين، وقدم عدد من الفلاحين والمهندسين الزراعيين شرحا لتجاربهم مع تطبيق نظم الرى الحديثة، التى وفرت لهم دخلا أعلى بتكاليف أقل.
الوزير وخبراء الرى قدموا عرضا للتكنولوجيا فى إدارة الموارد المائية، مثل استخدام شبكة للرصد «التليمترى» لقياس مناسيب المياه، واستخدام صور الأقمار الصناعية والنماذج العددية فى التنبؤ بالفيضان والسيول ورصد التعديات، وقدمت الدكتورة إيمان سيد، رئيس قطاع التخطيط، شرحا أكدت فيه أن كل شىء له علاقة بالمياه فى مصر مرصود بالكامل.
استمع الحضور إلى شرح من المهندس مصطفى السنوسى، بقطاع مياه النيل فى وزارة الرى، وأحد المشاركين فى مفاوضات سد النهضة، ود.هشام بخيت، أستاذ الموراد المائية فى كلية هندسة جامعة القاهرة وعضو الفريق الفنى التفاوضى لسد النهضة، والدكتور عارف غريب، رئيس الإدارة المركزية للتعاون الإقليمى لقطاع مياه النيل، الذين قدموا شرحا لتطورات العملية الإنشائية لسد النهضة، مؤكدين أن الجانب الإثيوبى يروج معلومات مغلوطة لمخاطبة الداخل، حول كميات المياه المخزنة وتشغيل مولدات الكهرباء، كما تحدث الخبراء عن احتمالات العيوب الفنية فى السد.
وقال الدكتور رجب عبدالعظيم: إن مدرسة الرى المصرية عريقة وتدير المياه بشكل عال جدا، وتنقل خبراتها إلى الدول الأفريقية، مضيفا أن الموارد فى مصر محدودة، وأقل من الاحتياجات بحوالى 20 مليار متر مكعب، والفجوة المائية تتسع سنويا بسبب الزيادة السكانية، والوزارة وضعت خططا للتعامل مع الأمر حتى عام 2037.
اللقاء مهم لتقديم المعلومات للرأى العام، وأيضا تأكيد أهمية ترشيد المياه، بما يضمن عدالة توزيعها واستخدامها، باعتبار موازنة المياه تعادل أهمية الموازنة العامة.