بعد انتهاء امتحان اليوم الأول للثانوية العامة، فى اللغة العربية، انفجرت بوستات الهجوم والبكائيات والمظلميات، وانتشر بوست يقول إن الأسئلة تضمنت سؤالا يطلب جمع «حليب»، ورغم أن سؤالا من هذا النوع لم يرد، لكن كثيرين انطلقوا يقدمون تحليلات بناء على «الحليب»، مع تأييد ورفض، مع هجوم على نظام التعليم وطريقة الأسئلة، وطبعا أغلب من قدموا هذه التحليلات لم يرجعوا للتأكد من الأسئلة أو معرفة الأمر، واعتبروا أن من الخطأ أن يختبر الامتحان الفهم، ولا يكرر الطرق السابقة فى الامتحانات المرتبطة عضويا بالدروس الخصوصية.
وهنا، نحن لسنا بصدد الدخول فى جدل العملية التعليمية، أو تقييم نظام امتحان هو بالفعل مختلفا منذ العام الماضى، نعرف أن الطلاب يدخلون الامتحان بالكتاب المدرسى وبالملاحظات، وهى صيغة كانت تمثل مطلبا على مدى عقود.
اللافت للنظر أن أغلب من طالبوا بتطوير التعليم وتجاوزوا مرحلة أن يكون الامتحان هو الغاية وليس وسيلة لاختبار الاستيعاب، هم أنفسهم أو بعضهم ساروا وراء سؤال «الحليب»، وهو غير موجود، لأنهم فى الواقع جهزوا أنفسهم من البداية لرفض أى تجديد، واستقروا مع نظام استنزف أموال وجهد أولياء الأمور على مدى عقود ولم يعد مناسبا لعصر يتطور.
هناك أولياء أمور يدفعون الكثير لإلحاق أبنائهم بمدارس تقدم الامتحانات بالطريقة التى تتبعها وزارة التعليم فى النظام الجديد، ويفخرون بهذا، لكنهم يهاجمون الأمر عندما يأتى محليا، وكل خبير من هؤلاء يقدم وجهة نظر يعتبرها هى فقط الصحيحة، ولسنا بصدد الدفاع عن وزير التعليم أو النظام الجديد، لكننا فقط نطالب من يريد التعليق بأن يعرف قبل أن يدلى برأيه، ولا يسير خلف جموع لا أحد يعرف نواياها، وهى جموع سارت خلف كلام غير موجود، ولم يرد سؤال عن جمع «حليب» أو «أخطبوط» أو «جمبرى» فى الأسئلة، ومعنى أنهم ساروا خلف شائعة، كونهم اعتادوا السير خلف كلام بلا توثيق، وهو نفس السلوك مع كل موضوع، وكل قضية تتعلق بالدولة والحياة والاقتصاد والسياسة الخارجية.
نحن أمام نظام تعليم جديد مختلف عما سبق، ومع هذا بدأ البعض بالهجوم قبل أن يعرفوا تفاصيله، ونعرف أننا أمام تجربة صعبة، لكنها تستحق أن نخوضها، وهى ليست اختراعا عشوائيا، لكنها نتاج تخطيط وعمل خبراء ومختصين، ولا يخلو الهجوم من أصحاب مصالح اضطرهم التغيير، وأغلب من ينتقدون النظام الجديد يفعلون ذلك نقلا عن بوستات منقولة من غيرها، وبعضها بلا أصل.
تطوير التعليم يسير فى أكثر من اتجاه، المشروع الكامل بدأ من الحضانة إلى الثانوية، وفى نفس الوقت تم تطوير أنظمة الثانوى، واجه بعض المشكلات فى التطبيق، لكن تم تدريب المعلمين على المناهج، ووصل الطلاب لنظام ثانوية هذا العام، فهم يخوضون الامتحانات بالنظام الجديد، وقد تكون هناك وجهات نظر مختلفة حول هذا النظام، كثير من الخبراء شهدوا أن هناك تطويرا لصالح الطلاب يساعد فى تغيير طريقة التفكير والتدريس والامتحانات.
ربما يكون على من يريد التصدى للإدلاء بالرأى، أن يحاول دراسة الموضوع بعيدا عن شائعات وادعاءات تزحم مواقع التواصل، وهى منصات لا يمكن اعتماد آراء خبرائها فى موضوعات مصيرية، خاصة إذا كان من يزحمون المجال هم مجرد مواطنين مثلنا، ليسوا خبراء تعليم ولا مناهج، ويفتقدون إلى التواضع، ويسيرون وراء مدعى وناشرى الشائعات، مثلما جرى فى واقعة «الحليب والأخطبوط».
ولا نعرف من أعطى «العمقاء» الحق فى لعب دور المدعين والقضاة فى قضايا لم يقرأوا أوراقها، وكل ما يفعلونه أنهم، بحسن نية أو سوء قصد، يساهمون فى أكبر عمليات خداع، وإرباك وتخويف لأولياء الأمور، خاصة إذا اكتشفنا أن كل هؤلاء يفتون فى العلم والطب والسدود والكرة والطرق بنفس يقين كلامهم فى التعليم.
لقد مثلت شائعة سؤال «الحليب» نموذجا لمن يهبدون بلا فهم، ومن يحللون بلا علم، وهذا لا يعنى عدم الاهتمام أو مناقشة ما يتعلق بمصائر أبنائنا فى التعليم، لكن فقط نطالب بعدم السير وراء مدعين يحللون بناء على شائعات وليس معلومات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة