على مدار يومين، شاركت فى مؤتمر «دور الدين فى دعم العيش المشترك»، مع عدد من قادة الفكر، والزملاء الكتاب، ورؤساء التحرير، ومشاركين من الأزهر، والكنيسة، ونواب، ووزير الأوقاف، وتنظمه الهيئة الإنجيلية ضمن منتدى «حوار الثقافات»، والذى يعقد على مدى سنوات ضمن أنشطة اجتماعية وثقافية للهيئة بقيادة القس الدكتور أندريه زكى، والذى يقوم بدور مهم فيما يتعلق بالعمل المجتمعى والأهلى، بشكل لا يقتصر فقط على الطائفة أو المسيحيين، لكنه يشمل كل فئات المجتمع المصرى بلا تمييز.
شخصيا، أعتقد - وقلت ذلك فى مشاركتى - إن قضية العيش المشترك تطبيق قام به المصريون على مدار قرون، وإن المصريين لديهم ثقافة مشتركة فى الطعام والملبس والعادات والتقاليد والأمثال، كلها لا تفرق بين مواطن وآخر، وإن السياسة والاقتصاد صنعا الصراع، وإن الدول التى تفككت من الطائفية، كان الدين فيها واجهة لصراعات سياسية، وإن النصوص الدينية الكبيرة حين تفسرها عقول صغيرة تتحول إلى نصوص صغيرة، مثلما يقول أدونيس، وإن تنظيمات إرهابية مثل «القاعدة» و«داعش و«الإخوان»، هى صناعة سياسية بواجهات دينية فسرت الدين لصالح الإرهاب، وإن التحدى الحقيقى يتعلق اليوم بانفجار معلوماتى يضرب الوعى العام للأجيال، بصرف النظر عن العقيدة، وينتج أجيالا تفتقد ثقتها فى نفسها وفى بلدها، وإن الحل فى قانون يحكم الجميع، ويتيح العدالة وتكافؤ الفرص للجميع.
المؤتمر لا يقتصر على مشاركات المتحدثين، لكنه مناسبة لمشاركة جمهور واسع من المثقفين والأكاديميين، ضمن حوار لمناقشة وطرح القضايا التى تمس المجتمع، وتعكر صفوه بناء على أفكار خاطئة دينيا أو اجتماعيا.
المؤتمر تضمن جلسات حول الفقه، والتفسير، ودعم العيش المشترك، بحضور الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، والدكتور أندريه زكى، رئيس الطائفة الإنجيلية، وأدارها الكاتب الصحفى محمود مسلم، رئيس تحرير جريدة «الوطن»، والذى أكد أن الوعى العام لدى المصريين تغلب على كل أحداث الفتنة، عندما تصدى المصريون المسلمون لحرائق الكنائس، وكانوا خير معين لإخوانهم المسيحيين، وتصدوا معا لإرهاب الإخوان.
وقال الدكتور محمد مختار جمعة، إن الأديان بها سماحة كبيرة جدا لقبول الآخر والعيش المشترك، وثقافة التسامح فى صحيح الأديان يجب أن تسود فى الثقافة الشعبية، وتدخل إلى كل البيوت، وأن وزارة الأوقاف أنتجت كتابا بعنوان «حماية الكنائس»، تطور إلى حماية «دور العبادة»، مؤكدا أن الدولة رممت المعبد اليهودى بالإسكندرية، انطلاقا من فكرة حماية دور العبادة، واحترام معتقدات الآخرين.
بينما أكد القس الدكتور أندريه زكى، رئيس الطائفة الإنجيلية، أن حدود الحرية هى احترام الآخر، وهى إحدى أهم قواعد العيش المشترك، وحق الاختلاف والمواطنة، يؤكد هذا، موضحا أن اختطاف النصوص الدينية قضية خطيرة، وأن البعض يساوى التفسير بالنص وهذا ليس صحيحا، فهناك دائما سماحة فى النص، بينما هناك جمود فى التفسير، وأن هناك رغبة صادقة فى دعم العيش المشترك وقبول الآخر والتعددية، ويوجد مكان للجميع، وهذا ما يشير إليه الرئيس السيسى دائما.
وفى الجلسة الثانية بعنوان «العيش المشترك.. من النظرية للتطبيق»، أكد الأنبا إرميا، الأسقف العام، رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى، أننا يجب أن ندرك أن التنوع أمر حتمى، وأن نعلم أبناءنا كيفية الحفاظ على وحدة الوطن، بينما أشار الدكتور أحمد مجاهد، رئيس قسم الدراما والنقد بكلية الآداب جامعة عين شمس، إلى أهمية تعليم أطفالنا القيم الأخلاقية المشتركة، وأن يكون هناك كتاب «موحد» يدرس تلك القيم دون الخوض فى العقائد، بينما قال الدكتور طارق منصور، وكيل كلية الآداب السابق بجامعة عين شمس، إن المواطنة هى قناعة داخلية تتولد لدى المواطن، قائمة على قواعد المساواة بين جميع المواطنين فى كل الأمور.
وقال الشيخ جابر طايع، رئيس القطاع الدينى السابق بوزارة الأوقاف، إن التطبيق على أرض الواقع يبدأ من عدم إخراج الطلاب من الفصول عند تلقى حصة الدين المسيحى، وكذلك حصة الدين الإسلامى، بل يجب أن يسمع كل منهما الآخر.
قال الدكتور محمد الباز، إن سبب الخلاف كان بعيدا عن الدين، فأسباب المشكلة كانت سياسية أو اقتصادية أو التعليم والثقافة، وأن يكون البحث عن سبل حقيقية للتعايش، اعتمادا على فكرة الإنسانية، ويكون لكل إنسان الحق أن يعيش وأن يعمل، ويخضع للقانون.
من جانبه، قال عماد الدين حسين رئيس تحرير جريدة الشروق، إن على من يتحدثون عن العيش المشترك أن يؤمنوا بالقضية فعلا وليس مجرد كلام لإرضاء الجماهير.
كان المنتدى مناسبة عظيمة لطرح الكثير من الأفكار والمناقشات التى تتعلق بأهم ما يحتاجه المجتمع، المواطنة، وأن يكون هناك مكان للجميع.. ونواصل المناقشة.