فى الخامس من أغسطس، أكملت جريدة الأهرام 145 عاما على صدور عددها الأول، كصحيفة يومية على يد اللبنانيين بشارة وسليم تقلا، كانا يعيشان فى ذاك الوقت بالإسكندرية، لتظل شاهدا على تاريخ الصحافة بل والتاريخ المصرى والعربى، حيث تمثل الأهرام ديوان الحياة المعاصرة، كما وصفها المؤرخ الراحل الكبير الدكتور يونان لبيب رزق.
صدر العدد الأول فى 5 أغسطس 1876 فى المنشية بالإسكندرية، كصحيفة أسبوعية تصدر كل يوم سبت، أثناء حكم الخديو إسماعيل، وبعد شهرين من تأسيسها صدرت يوميا. واستمرت كل هذه العقود شاهدا على تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية حتى أصبحت تصدر عدة طبعات يومية محلية وطبعة دولية وأخرى عربية، وصمدت فى ظل تحديات مختلفة، ربما يكون أخطرها ما تواجهه الصحافة اليوم، فى ظل ثورة تكنولوجية غيرت من مفاهيم وأشكال وقوالب العمل الصحفى، ودخلت الفضائيات والقنوات التليفزيونية على الخط، قبل أن يجد الإعلام نفسه أمام تحد فى ظل الصحافة الرقمية التى تطورت بسرعة مع ظهور شبكة الإنترنت، وتغير إحساس القارئ بالخبر، حيث كان يعيش يوما كاملا، بينما الآن يفقد الخبر قيمته بعد دقائق، وتلعب مواقع التواصل الاجتماعى دورا منافسا، وهو ما يفرض المزيد من التحديات على الصحافة، تغير الصحافة الورقية جلدها، وتصعد الصحافة الرقمية.
وحسبما كتب المؤرخ الدكتور يونان لبيب رزق، «فإن الصحافة أواخر القرن التاسع عشر عرفت خليطا من صحف، ناطقة بالعربية واليونانية والألمانية والإنجليزية والفرنسية والإيطالية، وصحف يحررها الشوام وأخرى يحررها المصريون، وصحافة علمانية يقودها شيلى شميل، ودينية أشهرها المنار التى أصدرها الشيخ رشيد رضا، ثم صحافة الأفندية الجدد خريجى مدرسة الحقوق، وعلى رأسهم مصطفى كامل وأحمد لطفى السيد، وصحافة الشيوخ وفى مقدمتهم الشيخ على يوسف صاحب جريدة المؤيد الشهيرة، صحافة جادة وصحافة هزلية تدخل إلى سوق الصحافة».
ظلت الأهرام جزءا من تاريخ مصر تعكس الحياة السياسية والاجتماعية، فى بدايتها وجهت اهتمامها الأكبر إلى الأحداث الخارجية والتلغرافات ليصل إلى الناس ماذا يحدث فى العالم الخارجى، وساهمت فى ربط القارئ المصرى بالأحداث الدولية والخارجية، خاصة فى أزمنة الحروب الأوروبية والحرب العالمية الأولى، وعلى مدى تاريخها ابتكرت الأبواب الصحفية الجديدة، ويشير الدكتور يونان لبيب رزق إلى أن الأهرام فى يناير1884 هاجمت الاحتلال الإنجليزى، ووقفت ضد إخلاء السودان من الجيش المصرى، وتعطلت شهرا عن الصدور بسبب هذا الموقف، وفى ثورة 19 نادت بأنها صحيفة مصرية للمصريين وفتحت صفحاتها للكتابة الوطنية.
فى الستينيات، كانت الأهرام قد تطورت تطورا واسعا فى عهد رئاسة تحرير محمد حسنين هيكل، وتدعم وجودها كصحيفة قومية تعبر عن رأى الدولة بعد تأميم الصحافة، وساهم هيكل فى تحديثها وجذب كبار الكتاب والمفكرين والأدباء للكتابة فيها، وهى سنة ارتبطت بالصحيفة حتى الألفية، حيث شهدت كتابات نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وزكى نجيب محمود، ولويس عوض، وفى الرياضة نجيب المستكاوى، وبجانب صفحات الحوار القومى ومقالات الرأى، ظلت الأهرام تحمل أخبار الدولة والحكومة، بجانب ما تميزت به صفحة الوفيات التى ارتبطت معها مقولة «من لم ينشر نعيه فى الأهرام لم يمت»، بجانب عدد من المجلات والمطبوعات المهمة، مع مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، ومجلة السياسة الدولية.
بالطبع شهدت الصحافة تطورات فى الشكل والمضمون مع تطور أنظمة الطباعة، والآن تستمر الأهرام، فى ظل تحولات تواجه الصحافة فى ظل ثورة تكنولوجية تغير من أشكال النشر، مع استمرار المحتوى بطلا، ومع بقاء الأهرام مقتربا من العام 150، شاهدا على كل الأحداث المحلية والدولية والإقليمية، حروب وصراعات وصعود وانهيار إمبراطوريات وقوى عظمى، وتحولات اجتماعية واقتصادية، ودليل يثبت قدرة الصحافة على التجدد والاستمرار، فى ظل عالم رقمى يفقد فيه الخبر ميزاته بعد دقائق، ويظل صمود الأهرام كل هذه العقود دليلا على قدرة الصحافة على التطور والاستمرار فى العصر الرقمى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة