اندلعت شرارة الربيع العربى التي وصل الإخوان من بعدها للسلطة من الشقيقة تونس الخضراء، وسقط آخر حصن إخواني في تونس أيضًا. كانت هذه الانتفضات أول خطوة لتمكين جماع الإخوان الإرهابية الملفحة بستارة الدين من تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد، وتمكن الجماعة بعدها من الوصول إلى الحكم، إلى أن أصبحوا على رأس السلطة فى عدة دول منها مصر وتونس التي لازالت تقاوم.
ويأتي السؤال..
هل كانت شعوب تلك الدول على صواب لاختيار الجماعة للحكم والانصياع وراه أجنداتهم؟ فلكل شعب أسبابه التي جعلته يأمل أن بالفعل "الإسلام هو الحل" لترسيخ مطالب الثورات في الحرية والحياة الكريمة، مما أدى إلى حدوث المعجزة التي كان يخطط لها الجماعة منذ أكثر من 80 عاما، وهى السيطرة على الدول العربية وخدمة مشروع تقسيم الشرق الأوسط. ولكن لم تصمد الجماعة طويلاً في مخططها..
في ليلة الخامس والعشرين من شهر يونيو الماضى أصدر الرئيس التونسي قيس سعيد قراراتٍ وصفها بخطوات إنقاذ تونس من جماعة الإخوان وذراعها السياسى، حركة النهضة الإخوانية. قام سعيد بتجميد سلطة البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه وعزل رئيس الوزراء "هشام المشيشي" من منصبه، ثم كلف نفسه بتشكيل حكومة جديدة. يمكن للمتابع للشأن التونسي أن يتصور خطورة الوضع إذا لم يُقبِل سعيد على منع الجماعة من الإنفراد بالحكم، حيث سعت قراراته لتخليص الدولة من أساليب الجماعة الدموية في استخدام العنف، والتستر وراء أنصار الجماعة المغيبين عن حقيقتها المُرة، وهي اعتمادها على الدين وللقفز على السلطة فقط، وتمكين الجماعة سياسيًا كما ذكر في تعاليم رسائل حسن البنا الإرهابي.
تواجه تونس وابلاً من تهديدات الجماعة بالعنف، مما يحضر للأذهان مقولة قيادي الجماعة في مصر محمد البلتاجى "اللحظة التى يعود فيها مرسى للحكم هى اللحظة التى يتوقف فيها الإرهاب بسيناء". و هذا إن دل على شىء فإنه يدل على تبني الجماعة للعنف والتطرف للسيطرة على الحكم والانفراد بالسلطة. و الجدير بالذكر أن الجماعة كانت تستخدم العنف قبل قرارات الرئيس التونسى قيس سعيد في مخططهم للتمكين من السلطة حيث كان أنصار الجماعة يعتدون على النائبة البرلمانية عبير موسى بعد هتافاتها ضد الإخوان ومطالبتها بمحاسبة الغنوشي، رئيس البرلمان المنحل، لذهابه إلى تركيا دون علم رئيس الدولة. وتستند الجماعة في استخدامها للأساليب الدموية على الشرعية والدستور.
إن حقيقة شرعية ودستورية قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد تحبط ادعاءات الإخوان بأن قراراته انقلاب على الدستور التونسي و ذلك بالإستناد على الفصل 80 من الدستور الذي ينص على "إنه يمكن لرئيس الجمهورية فى حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها، يتعذّر معه السير العادى لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التى تحتمها تلك الحالة الاستثنائية ويُعلِنُ عن التدابير فى بيان إلى الشعب". وتعتبر أيضًا قرارته، على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، استجابة لمطالب الشعب التونسي خوفًا من سيطرة الإخوان على كل جوانب الحكم في البلاد من خلال محاولة أخونة الدولة وقمع للحريات والاعتداء على المرأة التونسية ومحاولات للانفراد بالسلطة فى البرلمان التونسى، كما شاهدنا من أحداث مؤسفة الفترة الماضية. مما جعل الحركات الشعبية التونسية تخرج مؤيدة لخطة إنقاذ تونس و رافضة رفض قاطع للوجود الإخواني السياسي مؤكدين أن الجماعة لم تخلف سوى الدمار و الخراب.
ما خلفته الجماعة في تونس لا يختلف عن ما خلفته في باقي الدول العربية منذ انطلاق فعاليات الانتقال الديمقراطي بعد الربيع العربين وذلك بسبب فشل الإخوان فى تقديم نفسهم كبديل سياسي مقنع للشعوب العربية في هذه المرحلة الحساسة، حيث إن حركات الإسلام السياسي بشكل عام لم تستطع أن تكون لها قيادات فاعلة محبوبة من قِبَل الشعوب، أو أن تنشئ مشروعاً سياسياً يخدم مطالب الثورات، بل دخلت في خلافات مع مؤسسات الدولة وأطراف سياسية أخرى، من أجل تشييد قلاع السلطة الإخوانية، ورغم أن مصير حركات الإسلام السياسي في بلدان مختلفة بها نقاط تشابه مثل تطورات الأوضاع الأخيرة في تونس مقارنةً بما ما حدث في مصر عند الإطاحة بحكم الإخوان، إلا أن لكل تجربة خصائصها.
نرى من خلال التجربة التونسية أنه لم يكن الرئيس التونسي قيس سعيد المراقب الوحيد من التجربة المصرية مع جماعة الإخوان، بل الجماعة نفسها حاولت أن تكون حذرة أكثر في الاصطدام بالجيش أو الشرطة، وأن تتكيف مع الأوضاع السياسية المفروضة عليها إلى أن تنفرد بالحكم. أما الجماعة في مصر كانت أكثر تسرعًا، حيث استغل حزب الحرية والعدالة المنحل النجاح النسبي في الانتخابات لإخضاع المجتمع المصري وفرض أجنداته وفكره عليه. و لكن وجه التشابه بين إخوان تونس و إخوان مصر هو فشلهم على الصعيد الداخلي في بناء قاعدة ثقة قوية مع الشعبين. بالإضافة إلى فشلها على الصعيد الإقليمي والدولي في وضع استراتيجيات لبناء تحالفات قوية، مما جعل الأطراف الدولية تتخوف وصولهم للسلطة. والحديث يطول عن فشل الجماعة في سوريا بعد إبعادها عن المشهد السياسي لتمهيد الطريق للتفاهمات الإقليمية بين تركيا وروسيا وإيران.
كل هذه الملامح تتضافر مع غيرها مما أسلفت ذكره لتصنع حالة سياسية قوامها اتساع المسافة بين الإسلاميين ووعي الشعوب العربية بالتحولات العارمة في مجتمعاتهم وما يترتب عليها من متطلبات. بالإضافة لتيقن الشعوب حقيقة الإخوان الذين لا يأبهون بالوطن أمام مصلحة الجماعة، والذين فضحتهم الوقائع وحكمت ببطلان إدعاءاتهم المستندة على إمكانية تحقيق "الإسلام الديمقراطي" وذلك من خلال تبديد أي مسافة تفصلهم عن ارتابطهم بالمنظمات الإرهابية مثل داعش والقاعدة. كل ذلك أدى لسقوط قلاع الجماعة قلعة تلو الأخرى ومع كل سقطة تعلو دقات ناقوس موت حكم الجماعة بلا رجعة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة