من الواضح أن انعقاد «مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة»، هو تأكيد لما تحقق من خطوات إيجابية نحو الاستقرار، وإزالة تراكمات سنوات من ارتباك ما بعد الغزو، وجاءت توصيات المؤتمر متضمنة أهم النقاط التى تمثل قواعد السياسة الإقليمية، فضلًا عن تأكيد المشاركين دعمهم ومساندتهم للعراق، مع دعوة لتوحيد الجهود الإقليمية والدولية بما ينعكس إيجابًا على استقرار المنطقة وأمنها، وتعزيز الشراكات السياسية والاقتصادية والتفاهمات على أساس المصالح المشتركة.
كانت النقاط البارزة فى التوصيات تؤكد دعم العراق ودولته الوطنية ووحدته، ورفض التدخلات الخارجية فى شؤون الدول، ومواجهة الإرهاب، وهى نقاط مهمة مثلت تحديات وتسبب التدخل الخارجى ومنافسات النفوذ فى ظهور التنظيمات المتطرفة والحروب بالوكالة، وهو ما أطاح بالكثير من مقومات الدول، خاصة التى شهدت صراعات عرقية وطائفية أفقدت الدول قدرتها على التنمية، وأنتجت المزيد من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية.
وتعكس التوصيات الكثير من النقاط التى تضمنتها كلمة مصر والرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى لم يتوقف على مدى سنوات من طرح وجهة نظر مصر فى مواجهة الأزمات والتراكمات السياسية الناجمة عن التدخل والإرهاب، حيث تستند السياسة المصرية الإقليمية على نزع فتائل التوترات والانخراط فى حوارات سياسية وإبعاد التدخلات الخارجية، وتدعيم الدولة الوطنية والحوار بدلًا من الصراع.
هذه السياسة أثمرت فى أكثر من نقطة ساخنة، وفى ليبيا حققت هذه السياسة ما لم تحققه المساعى الدولية، وبدا المجتمع الدولى أكثر اقتناعًا بالرؤية المصرية، وهذا الاقتناع يأخذ وقتًا ليتحقق، فالأمور فى السياسة الدولية أبطأ، خاصة أن الدول التى تواجه ارتباكات شهدت ظهورًا للتنظيمات الإرهابية التى استغلت ضعف الدولة أو تفككها، وكان تنظيم داعش أعلى مراحل الإرهاب، فى سوريا، والعراق، قبل أن يلقى التنظيم هزيمة فى العراق وسوريا، ولم تكن التنظيمات المتطرفة تنشأ وتتوسع من دون أن يكون لها عائل يدعمها ويمولها ويوفر لها الملاذات الآمنة.
وأكد الرئيس عبدالفتاح السيسى، بكلمته فى المؤتمر، أن مصر تقف سندًا ودعمًا لجهود الحكومة العراقية نحو تقوية الدولة الوطنية ومؤسساتها بما يمكنها من الاضطلاع بمهامها فى صون أمن واستقرار العراق، وحماية مقدرات شعبه ووحدة أراضيه، كما ترفض مصر كل التدخلات الخارجية فى شؤون العراق والاعتداءات غير الشرعية على أراضيه، والاحترام المتبادل لسيادة الدول، والامتناع غير المشروط عن التدخل فى شؤونها الداخلية، والتوقف عن سياسة فرض الأمر الواقع باستخدام القوة العسكرية أو المادية، فضلًا عن عدم توفير ملاذات آمنة أو أى شكل من أشكال الدعم للجماعات الإرهابية والمتطرفة أو نقل عناصرها من دول إلى أخرى.
وتضمنت التوصيات دعمًا من الدول المشاركة لجهود الحكومة العراقية فى تعزيز مؤسسات الدولة وفقًا للآليات الدستورية، وإجراء الانتخابات النيابية الممثلة للشعب العراقى ودعم جهود العراق فى طلب الرقابة الدولية لضمان نزاهة وشفافية عملية الاقتراع المرتقبة، وقد وجه الرئيس السيسى، كلمة للشعب العراقى، دعا فيها إلى أن يشارك فى بناء تجربته واختيار ممثليه.
وينطلق الرئيس من حقيقة أن العلاقة بين الشعبين المصرى والعراقى لها طبيعة خاصة شعبيًا ورسميًا، تقوم على الامتزاج والود والتعاون، مع تشابه ثقافى وحضارى، عاش المصريون فى العراق منذ السبعينيات، وبعد الغزو الأمريكى للعراق، ظلت مصر وجهة مهمة للكثير من العراقيين، اعتبرهم المصريون أهل بيت.
هذه العلاقات تدعم وجهة نظر البلدين وتسهل تقوية العلاقات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والتجارية، وتدعم السعى لبناء تعاون وتنسيق سياسى إقليمى فاعل، ومثلما مثل التنسيق الثلاثى المصرى العراقى الأردنى، قاعدة لتأسيس موقف إقليمى، فإن انضمام دول مجلس التعاون والجوار إلى مؤتمر بغداد يعد ثمرة لهذه النواة التى صنعها التنسيق الثلاثى، بما يمكن من بناء دور عربى فاعل. وبالطبع، فإن مصر لديها تجربة مهمة فى التنمية، سبق وأعلن الرئيس برهم صالح، عن تطلع العراق إلى الاستفادة من التجربة المصرية الناجحة فى تنفيذ المشروعات التنموية والإصلاحات الاقتصادية الشاملة، فضلًا عن جهود مكافحة الإرهاب والتطرف.
لقد كان انعقاد ونجاح المؤتمر فى بغداد، خطوة جديدة فى سبيل استقرار العراق، تساهم فى استقرار إقليمى، ينهى مرحلة من الارتباك والصراع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة