من المؤكد أن الدولة بذلت مجهودات مضنية خلال الفترة الماضية لمواجهة فوضى البناء المخالف، والذى هدد الرقعة الزراعية، وأحدث عشوائية كبيرة فى التنظيم العمرانى، وعرض حياة مواطنين للخطر، والمتتبع للأمر، يجد أنه تم التعامل مع هذه الظاهرة بشتى الطرق تنفيذيا وتشريعيا للحد من خطورتها وتفاقمها، وتم إحداث تقدما ونتائج ملموسة وتصحيح الأوضاع.
وكان الحسم عنوانا لشن عدة حملات وموجات إزالة لهذه التعديات والمخالفات، وما زالت تواصل هذه الحملات حتى الآن، تزامنا مع ضبط هذه المنظومة تشريعيا من خلال التصالح فى مخالفات البناء، وقانون البناء الجديد وصدور اشتراطات البناء الجديدة التى تنظم العمران والبناء السكني، حماية للوطن والمواطن معا.
وأعتقد أنه قد تحققت ثمار عديدة، وأصبح المواطن هو الأكثر استفادة، رغم أنه يتم تصدير صورة سلبية من قبل قوى الشر بأنه الأكثر تضررا، لكن ما يحدث هو العكس تماما، فلك أن تتخيل عدد الضحايا من المواطنين الذين وقعوا فريسة لـ"خفافيش" البناء المخالف، حيث وضعوا أموالهم وشقاء العمر فى شقق وعقارات لا تخضع لمواصفات البناء السليم، فأصبحت حياتهم فى خطر، وكلنا رأينا كم المبانى التى تم إزالتها، لأنها مخالفة وخطر حقيقى على السكان، وأقرب نموذجا على هذا ما حدث فى عقار فيصل المائل الكائن بشارع سليم آخر فيصل بمنطقة كوم بكار ، فلك أن تتخيل عقار مكون من 14 طابقا، منهم 6 طوابق فقط "مرخصة"، وباقى الأدوار غير مرخصة، وتمت التعلية فى ليل دامس، وفى غفلة من المسؤولين، فكانت النتيجة إخلاء السكان ودراسة إمكانية الإزالة، والسؤال الآن، كيف حال هؤلاء السكان ومن قام بشراء شقق فى هذا العقار المخالف؟
لذا، نقول، إنه إذا كانت هناك مسؤولية تقع على الحكومة فى مواجهة هذه الظاهرة، أيضا تقع مسؤولية أكبر على المواطن الذى يشجع هؤلاء "الخفافيش" على جريمتهم، بل بتجاهل شروط البناء، بحجة "أنه كله مخالف، وأنه هذا أرخص، ويردد، كلمات وعبارات فيها تواكل وغير مبررة على الإطلاق، مثل "اتركها على الله، لن يصيبنا إلا ما كتب الله"، فللأسف، هم بذلك المعتقدات يعرضون حياتهم وحياة أبنائهم للخطر جراء حدوث أى أزمة فى هذا العقار فى المستقبل.
ومن جهة أخرى، يجب أن نعلم، "ليس معنى غلق باب التصالح، يعنى أن الدولة لن تلفتت إلى المخالفات الجديدة، لأنها مشغولة في أشياء أخرى، أو أن يعتقد أن من تقدم للتصالح في مخالفات البناء يمكنه أن يستكمل بناءه من جديد بزيادة الأدوار، فهذه أمور غير صحيحة، بل نقول لهم، إن الدولة تواجه وفقا للقانون هذه الأعمال المخالفة بكل حسم، وأنها لن تسمح بعودة ظاهرة مخالفات البناء مرة أخرى، والنماذج على ذلك كثيرة، وفقا للبيانات الرسمية كل يوم بعدد إزالات التعديات بكافة المحافظات.
وختاما، نقول، "إن هناك أمور مبشرة بشأن عودة الانضباط من جديد لمنظومة البناء، وذلك بعد صدور اشتراطات البناء الجديدة، والتى خرجت للنور بالفعل، وتحقيقها وتطبيقها لتنظيم البناء العمراني في مصر، وما يجب علينا فعله الآن هو الالتزام بهذه الاشتراطات، وخاصة أن الدولة تسعى بكل الطرق لتوفير سكن ملائم لكل مواطن من خلال مشروعات الإسكان الاجتماعى التى تناسب كافة الشرائح.. فكفى عشوائية!!..