سؤال مطروح دائما، لماذا يسود النقاش والاهتمام بالقضايا التافهة، وتختفى القضايا الجادة من مواقع التواصل؟! وهو سؤال يطرحه بعضهم استنكارا، والبعض الآخر يسأل من باب البحث عن إجابة. والواقع أن الاهتمام من قبل الجمهور والرأى العام هو أمر يبدو طبيعيا، بينما يراه البعض موجها ومقصودا، وبشكل عام، فإن حجم اهتمام الجمهور بالموضوعات والأحداث الخفيفة، يكون أضعاف الاهتمام بالقضايا الجادة، وتكون الموضوعات الرياضية والفنية والاجتماعية والحوادث أكثر جذبا من بقية الموضوعات الجادة، ولهذا فإن نسبة الإنفاق من المنتجين فى العالم على صناعة الترفيه والتسلية ضخمة، لكن الاهتمام والتركيز فى عالم التواصل والإنترنت يتجاوز هذا إلى كل ما هو سطحى وبلا قيمة، وكل هذا جزء من عملية تسويق لمنتجات وأفراد، ومثلما تقوم منصات للتجارة الإلكترونية، فإن الأمر ذاته يتم على مستويات مختلفة، منها تسويق ظواهر وانشغالات، وإعادة تشكيل الأمزجة.
وتكفى عملية جرد للأحداث والاهتمامات والتريندات على مواقع التواصل، لتشير إلى أن خناقة بين مطربى مهرجانات فى الساحل، أو سيارة زميلهم، نجم المهرجانات، تشغل اهتماما أكثر من أى موضوع أيا كانت أهميته، وحجم ما تم نشره من «بوستات» حول الدورى، وبين جمهور الناديين الكبيرين، استهلك نصف موضوعات النقاش على مدى أسبوعين، وكانت نسبة مشاهدة ومتابعة حلقات الجدل الرياضى، أضعاف مثيلاتها مع الموضوعات السياسية أو الاجتماعية.
ومن يتابع تريندات الانشغال «السوشيالى» خلال أيام، يكتشف أن مستقبل أجيال من طلاب الثانوية، لا يشغل مساحة تتوازى مع الكيد والجدل بين الجمهور حول الدورى والدرع وعدد البطولات، وهو نقاش يتجاوز الرياضة إلى اختراع موضوعات وسياقات وهمية، غالبا ما يساهم فى إشعالها معلقون، يريد كل منهم أن يحقق نسب مشاهدة، حتى ولو على حساب الروح الرياضية، أو حتى السلامة النفسية والاجتماعية.
وخلف كل مشعل للتعصب، جمهور افتراضى جاهز ومستعد للدخول فى الخلاف والصراع بكل إخلاص، وكأن هناك من يمارس توجيه الرأى الافتراضى وتوظيف العواطف فى صناعة أزمات قد تتطور إلى صدام أو تقود إلى انفلات غير مرغوب.
وفى عالم السوشيال ميديا، يمكن تحويل الشخص المجهول إلى نجم مشهور، وصناعة ضجة تكفى لجذب آلاف المتابعين، من دون أن يكون له أى إنجاز أو موهبة، فهو ليس مطربا ولا فنانا ولا لاعب سيرك، فقط هو يقدم حياته ويستعرضها أمام جمهور يساهم فى صناعة الصورة، لنجد أنفسنا أمام مسوخ ليس لديهم ما يقدمونه، وطبعا فإن مواقع التواصل تدعم الظواهر الفردية لأنهم واجهات لعرض المنتجات وتربيح هذه الشركات، وقد تم اختراع لقب «مؤثرين»، أو «إنفلونسرز»، والمفروض أنهم من يملكون القدرة على تقديم مضمون مؤثر، والواقع أن هؤلاء ليس لديهم شىء، ويكون تأثيرهم هذا مجرد فرقعة، تغرى آخرين بتقليدها، وخلال الفترات الماضية، ظهر نجوم ولمعوا من دون أن يقدموا أعمالا أو إنجازات كبيرة.
وهؤلاء المؤثرون النشطون، يتحولون إلى نماذج، يحاول الآخرون تقليدها بحثا عن ربح سريع وكبير، ولهذا تتوالد المشاهد الممسوخة، على تطبيقات السوشيال ميديا، و«التريند» يبرر الوسيلة، المهم أن يكون الواحد قادرا على جذب المتفرجين والأموال، ولم يتوقف الأمر على الهواة من المؤثرين، لكنه جذب ويجذب فنانين وفنانات يتسابقون لعرض جلسات تصوير، ومواقف، ونميمة، ومعارك، بهدف احتلال مساحة من الاهتمام والأضواء.
وكل هذا يعيدنا إلى كلمة السر فى عصر التكنولوجيا والشبكات، وهى «التسويق»، ليس فقط تسويق السلع، لكن الأشخاص والأفكار والظواهر، وهو تسويق لا يتعلق فقط بجمهور محلى من عدة ملايين، لكنه يتعامل مع كتل متعددة داخل الجهور العالمى، هناك أكثر من 4 مليارات نسمة، هم أكثر من نصف سكان العالم، نشطون على مواقع التواصل، وكل من هؤلاء يسعى لاحتلال مساحة وجذب الاهتمام، وإقليميا، فإن الأمر يتعلق بإقليم كامل وليس ببلد، ولهذا فإن التسويق للأشخاص والظواهر يتجاوز المحلى ليكون عربيا وأفريقيا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة