الاحترام، هو عنوان سيرة مهنية وإنسانية للصديق الراحل ياسر رزق، الذى يمثل رحيله صدمة لأصدقائه وزملائه وتلاميذه على امتداد المهنة والأجيال والمؤسسات.
ترك ياسر رزق علامات مهمة، لدى كل من عرفه، حافظ على خيوط الود والحوار مع من يختلفون معه، قبل من يتفقون، احترم الاختلاف والتنوع، وسعى دوما إلى مد خطوط التواصل، متمسكا برأيه من دون مصادرة لآراء الآخرين.
على مدار سنوات، عرفت الصديق الراحل ياسر رزق، لم يتغير منذ كان محررا يجرى وراء الأخبار والمعلومات، رحل وهو بنفس الشغف والدأب والاهتمام بالمهنة.
رحل ياسر رزق بعد أن واجه معاناة مع أزمات صحية متتالية، وكان يخالف تعليمات الأطباء بالراحة، كأنه فى سباق مع الزمن.
منذ تخرج فى كلية الإعلام عام 1986، لم يتوقف عن العمل، تنقل بين أقسام متعددة لصحيفة «الأخبار»، ثم أصغر محرر عسكرى، ومندوب للصحيفة فى رئاسة الجمهورية، حتى 2005، حيث تولى رئاسة تحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون، وعاد رئيسا لتحرير «أخبار اليوم» فى يناير 2011، نجح فى الحفاظ على تفوقها وتميزها كتجربة صحفية مهمة، ليتم استبعاده عقابا له على مهنيته من قبل حلفاء تنظيم الإخوان، بعد أن قفزوا على الصورة.
وتولى رئاسة تحرير «المصرى اليوم» منذ صيف 2012، حيث قدم تجربة مهنية مهمة حافظ بها على الصحيفة، وقدم انفرادات فى مرحلة دقيقة من تاريخ مصر، طوال خمسة عشر عاما فى رئاسة تحرير الصحيفة وغادرها وهى متميزة، ليعود رئيسا لمجلس إدارة «أخبار اليوم».
تولى ياسر رزق، مواقعه بجهده وموهبته، صاعدا السلم درجة وراء أخرى، منتصرا للمهنة والزمالة وللإنسانية.
تولى عضوية مجلس نقابة الصحفيين لثلاث دورات، 12 سنة، حظى خلالها بثقة الصحفيين بناء على سلوك مهنى وثقل إنسانى، دعم فيه زملاءه بصرف النظر عن الاختلاف والاتفاق معهم، وهى ميزة مهمة، وكان نقابيا نشيطا ومحترما.
وحرص أثناء الفترة التى أشرف فيها على مسابقات التفوق الصحفى، على وضع قواعد مهنية، مستعينا بكبار الأساتذة فى لجان التحكيم، وحظيت المسابقة فى عهده باحترام كبير، وأتذكر عند فوزى بجائزة «أحمد رجب فى الكتابة الساخرة» فى أولى دوراتها، بالرغم من أننا صديقان، لم يخبرنى بالفوز إلا بعد إعلان النتيجة رسميا، وحرص على أن اتصل بالأستاذ أحمد رجب، وقال لى إنه معجب بكتاباتى، وبالفعل ارتبطت بعلاقة مودة واحترام مع الكاتب الكبير الاستاذ أحمد رجب حتى رحيله.
وفى تجربته النقابية، كان يدعم من يختلف معهم قبل من يتفق معهم، يفصل بين الرأى والمهنة، وبين العلاقات النقابية.
لم يتوقف عن العمل طوال سنواته، ولم تغيره المناصب، ولم يغير طريقته فى التعامل مع زملائه، وظل يعمل حتى آخر لحظات حياته، حيث أصدر كتابه المهم «سنوات الخماسين.. بين يناير الغضب ويونيو الخلاص»، والذى قدم فيه شهادة ورصدا لمرحلة من أكثر مراحل مصر دقة ورصدا لمرحلة هى الأصعب فى تاريخ مصر الحديث، منذ يناير 2011 يناير وحتى يونيو 2013 وهو جزء أول من ثلاثية نتمنى أن يكون انتهى منها عن «الجمهورية الثانية»، ويكتب عنها كأحد شهودها المهمين.
ياسر رزق، يرتبط بعلاقات واسعة إنسانية ومهنية، فهو ابن مدرسة «أخبار اليوم» وهى مدرسة الخبر والمعلومة، وبالرغم من أنه من أسرة صحفية ووالده الصحفى والنقابى الكبير الراحل فى «أخبار اليوم» فتحى رزق، إلا أن ياسر عمل بيديه ولم يتوقف عن العمل منذ تخرجه - وربما قبل التخرج - حتى رحيله، ظل يعمل ويكتب ويتكلم ويشرح.
قبل أيام تحدثنا وكان يطمئن على أن نسخة كتابه «سنوات الخماسين» قد وصلتنى، واتفقنا على لقاء نناقش فيه الكتاب، لكن القدر لم يمهلنا.
ومن حسن الحظ أننا تلاقينا على مدار الأسابيع الماضية مرات فى مناسبات مختلفة، كنا نتحدث ورغم آلامه لم يتخل عن ابتسامته ودأبه وتوهجه.
لا أحد كبيرا على الموت، لكن الفراق المفاجئ صادم، خاصة مع شخصيات مثل ياسر رزق، فهو لم يكن فقط صحفيا مهنيا وكاتبا محترما ومحترفا، لكنه كان إنسانا ودودا خفيف الدم «صاحب صاحبه»، إذا أعجبه مقال كلم صاحبه، إذا عرف معلومة مختلفة يحرص على تصويبها، وأتذكر كنت أكتب حلقات عن أحداث سياسية، وذكرت معلومة غير معروفة، واتصل ليؤكدها ويذكر اسم مصدرها، ومرات كان يتصل لتوضيح أو تصويب، يبعث برسالة أو يتصل يصحح رقما أو معلومة أو تاريخا أو صورة أو تعليقا، وهو دأبه مع زملائه.
الصديق ياسر رزق بالرغم من أنه تولى مناصب متعددة، بناء على موهبة وخبرة وجهد وعمل وعرق، مناصب رئيس تحرير أو رئيس مجلس إدارة، لم يتغير، ظل كما هو، وكما عرفته منذ اللحظة الأولى، ودودا ولطيفا وخفيف الدم، يسأل عن زملائه إذا غابوا ويطمئن، يدعم الشباب ويفرح بانفراداتهم، يهنئ فائزا بجائزة أو زميلا نشر كتابا أو موضوعا مهما.
صاحب تجربة مهنية مهمة على مدار سنوات عمره، لم يتوقف عن العمل والكتابة والتفكير وجمع المعلومات، حتى آخر نفس.
وبالرغم من أنه تعرض لأزمات صحية «تهد جبال»، ظل يعمل ويتحرك ويشارك، نعاتبه على إهماله فى صحته، يبتسم بهدوء وبصوت ضعيف، ويصمت، كأنه يودع من حوله، وكأن كتابه أفضل وداع يقدمه للعالم.
رحم الله الصديق ياسر رزق، وتعازينا لأسرته ولمؤسستى «أخبار اليوم» و«المصرى اليوم» والأسرة الصحفية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة