تحدث أشياء كثيرة في حياتنا منذ الطفولة، مع الأيام ننساها، شيئان فقط لا يمكن للواحد منَّا أن ينساهما أبدًا، هما مواقف القسوة، ومواقف الرحمة، فإننا لا ننسى أبدًا ما فعله أحد المدرسين فى المدرسة عندما قال لنا كلمة طيبة أو أشفق بنا ورحمنا أو صدق حلمنا وراح يتمنى لنا غدًا أفضل، ولا ننسى أبدًا غلظة القلب وكسرة الخاطر التي مارسها علينا مدرسون آخرون، كل ذلك مدون على نفوسنا كأطفال لذا وجب الانتباه.
جاءت الأديان جميعًا لتقدم لنا حياة أفضل، لتنقلنا فعلًا من ظلام الجهل إلى نور المعرفة، وكي تجعلنا نعرف أن الإنسان مهما قوي ضعيف، وساعدت على بناء مجتمع متكامل بأخلاقه وقيمه، ومن هذه القيم الرحمة بالصغير.
لو توقفنا عند تراث الدين الإسلامي مثلاً، وتأملنا قيمة رحمة الصغير تجد مثلاً حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: "قال رسول الله ﷺ: ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا"، وهو حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وللعلم فإن الرحمة بالصغير هي من أمور الفطرة، حتى أن الحيوانات فى الغابات والبرية بها رحمة بصغارها، هكذا نعرف ونشاهد، فما بالنا بالإنسان الذي خصه الله سبحانه وتعالى بالعقل الذي يجعله يرى المصلحة فيما يفعل.
لو عدنا للحديث الشريف سنجد جملة خطيرة هي "ليس منا" أي ليس من جماعة المؤمنين بالله، وفى ذلك تهديد عظيم، تهديد خطير بالخروج من جماعة الخير إلى جماعة الشر التي تستبيح القيم وتلقى في النهاية أسوأ مصير.
والمجتمعات المتحضرة فى العالم كله هي تلك التي تمنح أطفالها فرصة للحلم، تمنحهم طاقة لحياتهم، وتصدق أفكارهم، وتؤمن بخيالهم، فلا شيء يصنع المستقبل سوى الخيال، وخيال الأطفال خصب وحالم ودال على الاستمرارية وعلى قدرة الله.
والرحمة ترقق القلوب تجعلها تنبع بالخير والعطاء، والأطفال أحباب الله، وهم قلوب بريئة تحتاج رعاية وعناية، إنهم مثل النباتات، تحتاج اهتماما كي تثمر وتزهر، وتؤتي أكلها بعد ذلك خدمة للوطن.
والمجتمعات التي تنشأ على الغلظة لن تخرج لنا سوى متطرفين متعصبين لا يرأفون بأحد ولا يقدرون ظروفا ولا يؤمنون بسياق مجتمعي، إنهم غلاظ القلوب يرون الرحمة ضعفا والتودد قلة حيلة، حدث ذلك لأنهم عندما كانوا أطفالا لم يشفق عليهم أحد، عاملهم أهلهم والمحيطون بهم بقسوة أو بتجاهل، لم يرحموا ضعفهم ولم يشفقوا على طفولتهم ولم يعلموهم الخيال والفن، بالتالي نشأوا وقلوبهم قدت من صخور فلا دم يتدفق فيها ولا مشاعر ترققها.
تقول لنا كتب السيرة إن النبي ﷺ قبّل صبيًّا فسأله أعرابى قال: أتقبِّلون صبيانكم؟، والله إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم، فقال النبي ﷺ: أوَ أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك؟ كما أن سيرة سيدنا النبي مع أحفاده خاصة الحسن والحسين دالة على هذه القيم ودورها فى صنع الحضارة، كما أن المسح على رأس الصغير له أثر كبير في نفسه، هكذا علمنا الدين، وهكذا تعلمنا الحياة وتؤكد لنا أن "الراحمون يرحمهم الرحمن".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة