"أنا شابة في الثلاثين من العمر، حياتي تبدو مستقرة وبدون مشاكل وربما يحسدني عليها البعض لأنني ناجحة مهنيًا وحققت الكثير من أحلامي، ولكن مشكلتي أنني أشعر طيلة الوقت أن أحدًا لم يحبني كفاية. لم أكن أبدًا أولولية عند أي شخص في حياتي حتى أهلي . ككل فتاة أخرى وقعت في الحب أكثر من مرة، ولم يحدث في أي مرة أن تمسك بي الشخص الذي أحببته، رغم أنني في مستوى جيد اجتماعيًا وشكليًا. عندي هاجس دائمًا أنني شخص ثقيل على الآخرين، ولا أحد يسمعني باهتمام لدرجة أني أصبحت أتكلم بسرعة جدًا كي أنتهي من كلامي قبل أن يمل من أحدثه..
كنت تأقلمت مع هذا الوضع حتى أحببت شخص ما منذ شهور، ولاحظت أنني متعلقة به لدرجة جنونية حتى أنه لو غاب بضعة ساعات ولا يرد على رسائلى يصيبني الجنون ولا أفكر في أي شيء غيره وإن طال غيابه يضطرب نومي وأكلي وأصبح شديدة العصبية ورغم أن عندي الكثير مما يشغلني، إلا أنه يسيطر على تفكيري تمامًا وتطاردني الكثير من الهواجس حول أنه تركني أو غاضب مني أو مل مني. أنا أعرف جيدًا أن هذا وضع غير صحي ولكنني عاجزة عن السيطرة على نفسي وهو ما يجعلني أكثر عصبية. لا أعرف ماذا أفعل كي أتوقف عن التعلق المرضي به، خاصة أنني بالفعل لدي أصدقاء وأخرج معهم وأقضي وقتًا لطيفًا معهم ولكن حين يكون هو غائبًا عني وأحاول الخروج أو عمل أي شيء لا أستمتع به ولا يشغل تفكيري إلا هو".
***
القارئة العزيزة نقلنا مشكلتك إلى الدكتور ريمون ميشيل ثابت استشارى الصحة النفسية، الذي قال: أسعدني في البداية نظرتك الذاتية الإيجابية لبعض الأمور كاعترافك بالنجاح وبأن حياتك مستقرة بدرجة معقولة وهذا أمر يبشر بالخير إن شاء الله.
الشخص العاقل عليه أن يزن الأمور بميزان الحكمة والعقل، فالحب هو من الأمور النسبية، فلا أحد منا ولا في تاريخ البشرية كلها قد أجمع الناس على محبته حتى أعظم الأنبياء، فالأرواح المتشابهة تتقارب وتأتلف أما المختلفة فتتنافر وتتباعد، فنحن لا يجب أن نسعى لكسب محبة الجميع أبدًا، ولكن الرضا عن علاقاتنا وانتقائها بعناية شديدة.
شعورك بأن الآخرين لا يستمعون إليكِ بإنصات كما يجب في الغالب قد لا يكون حقيقة ولكن هذا نوع من التوهم يحدث نتيجة عدم رضا الشخص عن نفسه، وعن الواقع الذي يعيشه أو شعوره بالدونية، وبالتالي يتولد شعور لدى الإنسان بأنه غير مقبول من الآخرين أو أنه عليه بذل الكثير من الجهد لكسب محبتهم وودهم وهذا أيضًا شعور غير حقيقي.
الناس دائمًا تبتعد عن الشخصية صاحبة الصفات المنفرة غير المقبولة، كالتكبر والتعالى عليهم أو التلفظ بما لا يريح النفس من عبارات قاسية أو جارحة، وما تحمله من صفات أخرى كالبخل أو الكذب وغيرها، وما هو بخلاف ذلك ندرجه ضمن نطاق عدم التكيف أو التواؤم النفسي وعدم الرضا عن الحياة، ويظهر ذلك في ضعف الثقة الذاتية ونقص في مهارات الشخص الاجتماعية المختلفة، ومنها تخيل الشخص بأنه إنسان ممل أو غير محبوب من الناس، وهذا قد يولد في النهاية الإصابة بما يعرف بالتعلق المرضي بالآخرين أو الإصابة بالاكتئاب النفسي.
أنتِ في سن اكتمال النضج الانفعالي والفكري، ولذلك علينا أن نضع الأمر في ميزانه الصحيح، فظهور تلك الأعراض تدل على ضعف الثقة وهي ثمرة من ثمار الحرمان العاطفي في الصغر كما ذكرتِ، ولذا نرى أن البداية في نفسك فما مضى قد فات وانتهى، وإحدى القواعد النفسية هي أن التركيز على أي شيء يزيد من وجوده وإهماله يضعفه، فتركيزك على ما يشغلك من أمور هادفة سيزيد من نجاحاتك، وتركيزك على الأعراض المذكورة لن يزيد الأمر إلا سوءًا.
قوى علاقتك بالله، فهذا هو منبع الحكمة والفهم السليم الذي نستمد منه جميعًا قوتنا، اكثرى من صلاتك وأنا على ثقة أن هذا الأمر سيغير كثيرًا من الوضع الحالي، وحب النفس والآخرين ينبع في الأصل من حب الله أولًا لأنه مصدر المحبة والشعور بالقبول والرضا عن النفس.
مادمت تهتمين بتطوير نفسك ومهاراتك فلا تنشغلى كثيرًا بآراء الآخرين، والشخص المثقف يجد دائمًا ما يقول في أي مجلس، ويحب الآخرين الاستماع إلى حديثه الممتع وثقافته الواسعة، لذا عليكِ بكثرة الاطلاع والقراءة في أكثر من مجال ومتابعة التطورات في مجالك الشخصي باستمرار، وليكن بداية ذلك بقراءة موضوعات عامة قصيرة ومقالات مفيدة، نقرأها أكثر من مرة بحيث لا ننشغل بغيرها، ونخصص لها وقت يومي ثابت لمدة نصف إلى ساعة يوميًا، بعدها ستشعرين بحالة من الرضا عن النفس، وفي رأيي هذه هي البداية المناسبة لكِ، اسأل الله لكِ الخير وصلاح الأحوال وأن يملأ حياتك بالحب الصالح وقبول النفس والرضا عنها.
صفحة وشوشة
يمكنكم التواصل معنا من خلال رقم واتس آب 01284142493 أو البريد الإلكترونى Washwasha@youm7.com أو الرابط المباشر.