يبدو أن البيان الأخير الصادر عن البرلمان الأوروبي، يمثل دليلا دامغا على استمرارية النهج الذي يتبناه الغرب، في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان، ومحاولتهم المستمرة في تسييسها، عبر التدخل في شؤون الدول الأخرى، لإجبارهم على الدوران في فلك معين، دون اعتبار لاختلاف الأوضاع والظروف، التي تعيشها كل دولة، وحقها في اتخاذ ما يروق لها من سياسات تتناسب مع أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، بل والأهم حماية أمنها، في ظل ظروف صعبة مرت بها منطقة الشرق الأوسط خلال العقد الماضي، جراء "الربيع العربي"، وما تبعه من تداعيات كارثية وضعت العديد من دولها على حافة الهاوية، وهو الأمر الذي مازالت تعاني منه بعضها حتى الآن.
ولكن بعيدا عن المغالطات الكبيرة التي شملها البيان، حول حالة حقوق الإنسان في مصر، والتجاهل الصريح للعديد من الإنجازات التي تحققت على الأرض، بدء من مبادرة "حياة كريمة"، والتحرك نحو تفعيل دور كافة الفئات المجتمعية، كالشباب والمرأة وذوى الهمم، والذى فتح الباب أمام تدشين حوار وطني شامل، ناهيك عن قرارات الإفراج عن أعداد كبيرة من المحبوسين، ممن لم يصدر بحقهم إدانات جنائية، يبقى إنجاز مصر الأكبر بين طيات السطور في البيان الأوروبي المشين، والذي يعكس حالة من العجز في مواكبة واقع العالم الجديد، والذي بات رافضا لمبدأ الوصايا والإملاءات، في ظل الحاجة لدعم قدرات كل دولة للتعامل مع أزماتها منعا لتمددها، في المستقبل، وهو الأمر الذي أصبح ملموسا، مع امتداد الفوضى المجتمعية والارهاب، خلال العقد الماضي من دول الشرق إلى الغرب، وهو ما ساهم في ظهور جماعات الإرهاب "متجاوزة الحدود" على غرار داعش، والتي مثلت تهديدا صريحا لأوروبا الغربية، في عقر دارها عبر تجنيد المئات من المهمشين في مجتمعاتها، وتشجيعهم للقيام بعمليات في الداخل، وهو ما لاقى استجابة من قبل بعضهم، وهو ما يرجع في جزء كبير منه إلى المعاناة من التمييز داخل المجتمع، وهو ما تجلى في العديد من المشاهد، منذ بداية الألفية، في أعقاب أحداث 11 سبتمبر.
ولعل المتابع لمثل هذه البيانات التي تصدر بين الحين والآخر، يجد أن ثمة حقيقة مفادها أن الهدف الرئيسي منها التدخل في شؤون الدول الأخرى، عبر تقديم غطاء من الحماية لفئات مجتمعية بعينها، تحت مسمى حقوق الأقليات تارة أو حقوق المرأة تارة أخرى، وأحيانا حقوق المعارضة السياسية تارة ثالثة، إلا أن هذه الفئات كانت غائبة إلى حد كبير في البيان الأخير، في انعكاس صريح لحجم الانجاز الذي تحقق على الأرض، في غضون سنوات قليلة انطلقت فيها الدولة المصرية من قاع الفوضى، إلى التحرك الجاد نحو تحقيق التنمية المستدامة، والتي تشمل في أحد جوانبها المسألة الحقوقية، بينما اندمجت خلالها كافة الفئات المجتمعية في بوتقة واحدة، وبالتالي فيبقى مجرد غياب الإشادة بما تحقق، دليلا على انعدام الموضوعية، ومثيرا للشكوك حول الهدف من صدور مثل هذا البيان، في مثل هذا التوقيت، بعد النجاح الكبير الذى تحقق خلال استضافة مصر لقمة المناخ، والتي سعت خلالها العديد من دول أوروبا للتنصل من التزاماتها نحو حماية الكوكب، وهو ما يمثل انتهاكا صارخا لحق البشرية في البقاء.
بينما ارتكز البيان على بعد مختلف، يعتمد ما يسمى "حقوق النشطاء"، ممن تمت إدانتهم قضائيا بأحكام جنائية، في إطار التركيز على تلك الفئة، باعتبارها الأكثر استقواءً بالخارج، في ظل وحدة الهدف القائم على تأجيج الفوضى، في مرحلة تبدو حساسة للغاية على الصعيد العالمي، وهو ما يمثل خطورة كبيرة، على دول المنطقة والعالم، خاصة وأن مصر تبقى حجر الزاوية لتحقيق الاستقرار الإقليمي في زمن تحدق به المخاطر من كافة الاتجاهات.
في الواقع، يبقى توقيت البيان الأوروبي مرتبطا بالوضع العالمي الراهن، في ظل محاولات عدة للضغوط، للحصول على مكاسب سياسية، خاصة فيما يتعلق بالموقف من الأزمة الأوكرانية التي تلتزم فيها الدولة المصرية الحياد، أو للتغطية على التقصير في الالتزام بحماية العالم من الأزمات الطارئة التي تعصف به عبر مساعدة الدول الفقيرة، للاحتفاظ بحقوقها التنموية.
وهنا يمكننا القول بأن البيان الصادر عن البرلمان الأوروبي يمثل انعكاسا صريحا لـ"ثغرات" كشفت تسييس الملف الحقوقي، عبر تجاهل الانجازات الواضحة في هذا المجال، و"عثرات"، جراء الفشل في القيام بدور ملموس في مواجهة التحديات العالمية، وبالتالي عدم قدرتها على المشاركة في تحقيق القيادة الدولية، وهو الامر الذى لا يمكن تحقيقه دون شراكة حقيقية وفعالة مع القوى الاقليمية البارزة، وعلى رأسها مصر، والتي أثبتت دورها خلال فعاليات قمة المناخ، عندما وضعت على عاتقها مسئولية المناداة بحقوق محيطها الإفريقي في التنمية، ناهيك عن قدرتها على تعميم تجاربها، لدعمهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة