عاد الطالب «الفدائى» جواد حسنى مع عدد من زملائه إلى القاهرة يوم 10 نوفمبر 1956، من على خطوط القتال فى سيناء أثناء العدوان الثلاثى «بريطانيا، فرنسا، إسرائيل»، ضد مصر ليقضى مع أسرته يومين، وخلال إجازته سهر مع زملائه إلى الفجر وتناولوا العشاء على حساب السيدة روز اليوسف، ثم عاد هو إلى ميدان القتال يوم 13 نوفمبر، ليواصل مهمته التى ندر نفسه لأجلها، وهى مقاومة العدوان الذى بدأت غاراته يوم 29 أكتوبر 1956، حسبما تذكر مديحة عزت فى مقالها «السلام عليكم» المنشور فى روزاليوسف 19 سبتمبر 2017.
وفى يوم 16 نوفمبر خاض معركة فدائية ضد القوات الفرنسية انتهت بأسره وتعذيبه حتى سقط شهيدا فى 2 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1956، ليصبح أيقونة جيله فى التضحية والفداء من أجل مصر، ونموذجا يحتذى به، ويشير الدكتور حسام عيسى أستاذ القانون والمفكر إلى ذلك مستشهدا بالحالة التى بدا عليها صديق عمره المستشار فتحى نجيب «رئيس المحكمة الدستورية 2003» حين تلقى خبر استشهاد جواد حسنى: «أذكر جيدا كيف تلقى خبر استشهاد زميلنا جواد حسنى الذى كان يعرفه جيدا، وكأنه أحس بغيرة منه لأنه استشهد فى سيبل الوطن»، «مقال: ورحل قاضى القضاة فتحى نجيب - الأهرام 21 أغسطس 2003».
كان جواد حسنى ابنا لأسرة وطنية عريقة، وفقا لسيرته فى الكتاب التذكارى عنه الصادر من المجلس الأعلى للشباب والرياضة عام 1957، وكتاب «الأطلس التاريخى لبطولات شعب بورسعيد»، إعداد، ضياء الدين حسن القاضى، ولد فى 20 إبريل 1935 بحى جاردن سيتى، بالقاهرة.
كان جده من أنصار أحمد عرابى، واشترك والده على زين العابدين حسنى فى مظاهرات الطلبة بالإسكندرية أثناء ثورة 1919، واعتقل إلى أن أفرج عنه سعد زغلول عند توليه الوزارة، وأكمل تعليمه فى إنجلترا، وتزوج من إنجليزية وعادا إلى مصر عام 1930، واشترك فى جميع المفاوضات المصرية البريطانية التى انتهت بتوقيع اتفاقية الجلاء فى أكتوبر عام 1954، ولهذا حصل على وسام الجمهورية، أما عم جواد، فهو الضابط البحرى فؤاد حسنى، وكان ضمن الطاقم الباخرة الحربية فاروس التى كانت تدافع عن مياهنا الإقليمية أمام مدينة الإسكندرية فى الحرب العالمية الثانية، وارتطمت بلغم بحرى غرسه الأعداء، فانفجرت واستشهد عام 1942 ورقدت جثته فى قاع البحر.
هكذا تأثر «جواد» بهذا الجو العائلى الذى يتنفس القضية الوطنية كل دقيقة، وبعد أن التحق بكلية الحقوق عام 1953، التحق بالكتيبة العسكرية، وأثبت تفوقا عاليا فى التدريب، ومع بدء العدوان الثلاثى تقدم صفوف الطلاب المتطوعين الذين وصلوا إلى أرض سيناء، وجاء ذلك فى سياق مناخ جامعى ملتهب فى تفاعله بالحشد الشعبى لمقاومة العدوان.
فى 16 نوفمبر 1956 خرج مع زملائه فى دورية استطلاعية بالقنطرة شرق جنوب مدينة بور فؤاد، وتوغلوا فى سيناء فقابلتهم دورية إسرائيلية، واشتبكوا معها، فأطلق جواد رصاص رشاشه عل أفراد الدورية، وأصابته رصاصة فى كتفه الأيسر، ورغم ذلك طلب منهم الانسحاب تحت حماية رشاشه، حتى وصل إلى القطاع الذى احتلته القوات الفرنسية على الضفة الشرقية من القنال عند الكيلو 37 جنوب بور فؤاد، وفى هذا المكان اشتبك بمدفعه سريع الطلقات «600 طلقة فى الدقيقة» وقنابل يدوية، حتى سقط مغشيا عليه نتيجة نزف الدماء من كتفه.
فوجئت القوات الفرنسية عند القبض عليه به شابا صغيرا يحتضن مدفعه والدماء تنزف منه، فحملوه إلى معسكر الأسرى فى نادى بورفؤاد الرياضى، وعزلوه فى حجرة صغيرة، وعلى حائط حجرة سجنه كان يكتب بدمائه يوميات اعتقاله وتعذيبه، وكتب عن يوم أسره: «أغمى على قرب القنال متأثرا بجروحى التى أصابنى بها الإسرائيليون قرب العريش، أخذنى الفرنسيون إلى بورسعيد للاستجواب ثم إلى بور فؤاد»، ووفقا لكتاب «نضال شعب مصر» تأليف محمد عبدالرحمن حسين، كتب فى يوم آخر: «فوجئت بالغرباء يقذفون أرضى بالقنابل، فنهضت لنصرته وتلبية ندائه، والحمد لله، لقد شفيت غليلى فى أعداء البشرية، وأنا الآن سجين، وجرحى ينزف بالدماء، أنا هنا فى معسكر الأعداء أتحمل أقسى أنواع التعذيب، ولكن يا ترى هل سأعيش؟ هل سأرى مصر حرة مستقلة؟ ليس المهم أن أعيش، المهم أن تنتصر مصر ويهزم الأعداء».
خضع «جواد» لاستجوابات وتعذيب قاس للحصول على معلومات منه عن مجموعات الفدائيين وتسليحها، إلا أنه رفض بإصرار، وجاء قائد القوات الفرنسية فى بورفؤاد الكولونيل «بازان» بنفسه إلى معسكر الأسرى ليستجوبه، وفوجئ بإصرار جواد على ألا يبوح بكلمة، فأوهمه بأنه سيطلق سراحه وأمره بالخروج من حجرة الأسرى، وأثناء سيره أطلق الجنود الفرنسيين نيران رشاشاتهم على ظهره فسقط شهيدا فى 2 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1956.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة