أكرم القصاص

أسئلة 2023..ماذا يحدث لو كنا أهملنا العشوائيات وشبكات الطرق المتهالكة والريف المهمش؟

السبت، 31 ديسمبر 2022 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

- هل كان يمكن الاستسلام للعشوائيات و«فيروس سى» وترك الريف بلا تحديث ولا حياة كريمة؟ من دون 2 مليون فدان وإضافة 14% لمساحة مصر.. هل كان يمكن استيعاب الزيادة السكانية؟

 

ونحن نستعد لدخول عام جديد، فإنما الأحداث تتواصل، والمقدمات تقود لنتائج، وخلال 9 سنوات تغير الكثير من الأحداث وشهد العالم تحولات كبرى، على المستويات السياسية والاقتصادية، جوائح وحروب وصراعات كثيرة.

 
وفيما يتعلق بمصر - دولة ومجتمعا - فقد واجهت تحولات على مدار 12 عاما، وبالطبع لا يوجد «لو» فى السياسة، لكن ربما ونحن نجرى ترتيبا لما تحقق خلال سنوات، كيف كان سيكون الحال لو لم نختَر العمل فى كل الملفات والاتجاهات؟ وهل ونحن نجرى حوارا موسعا يمكن أن نطرح الأسئلة بحثا عن إجابات؟
 
عندما نتحدث عن 9 سنوات، علينا النظر إلى هذه المرحلة، علينا أن نضعها فى سياق ثلاثة عقود منذ التسعينيات، حيث الفرص الضائعة، والدخول إلى حالة من عدم الرضا أو الفهم، والبقاء فى جمود، بالرغم من الفرص التى توافرت على مدار الفترة منذ بداية التسعينيات.
 
خلال السنوات العشر التى سبقت 25 يناير، ساد شعور الفرص الضائعة فى التحديث، أو التنمية بعدالة، وكانت هناك حالة من التردد، ونسبة نمو لا تنعكس فى صورة خدمات أو طرق أو إسكان أو مواصلات عامة، والعلاج للقادرين، أو بقرارات بيروقراطية للعلاج، كان «فيروس سى» يلتهم أكباد المصريين، وأمراض - كالسرطان والفشل الكلوى - تفرض نفسها من دون أفق لمواجهة حقيقية، والعشوائيات تُحزم العاصمة والمدن، والاختلال فى ملف الإسكان أدى - بدوره - إلى عشوائية فى الأحياء، والاعتداء على الأراضى الزراعية، والتوسع فى الإسكان الفاخر على حساب الإسكان المتوسط والمُخفَّض. 
 
ملف المواصلات العامة أيضا واجه فوضى، حيث توقفت توسعات المترو وتحديث القطارات أو إطلاق خطوط جديدة، والنقل العام مرتبك بين قطاع عام عاجز وخاص مستغل أو عشوائى، مع حوادث طرق، بسبب غياب الطرق الحديثة، واختناقات المرور وتوقعات بأن تنسد القاهرة بزحامها، وتصل السرعة فى عام 2020 إلى 8 كيلومترات فى الساعة. 
 
كل هذا مع اقتصاد مختل، ونمو مرتفع غير عادل فى توزيعه، عاجز عن استيعاب الأزمات، طوابير الخبز وأنابيب الغاز والسلع الرئيسية، مع إدخال الأمن فى محاولات حل الأزمات أو مواجهة تداعياتها، تعقيد فى ملفات الصناعة أو المشروعات الصغيرة، مع أفق سياسى غير واضح، وعدم امتلاك شجاعة السير فى إصلاح اقتصادى حقيقى، يدفع بالفرص للأمام، ويعالج المشكلة بسياق اجتماعى يفتح آفاق الاستثمار، ويوفر فرص عمل، كل هذا بالرغم من توافر فرص كبيرة لتدفقات أموال من تحويلات أو عوائد وأراض. 
 
فى الزراعة، كان الاعتداء على الأراضى الزراعية بالبناء، وتوقف استصلاح أراض جديدة، أو منحها وتوزيعها بلا قواعد، الأمر الذى فتح باب «التسقيع» والاتجار فى الأراضى، لتتكون طبقة مليارديرات الاتجار فى الأراضى، مع استمرار التركز فى مساحة لا تتجاوز 6 أو 7% من جغرافية مصر، فى ظل تضاعف أعداد السكان، بمتوالية هندسية، والعجز عن مجاراة كل هذه الأرقام بخدمات أو أفكار.
 
وداخل هذه الفترة، يتم وضع ثلاث سنوات بعد 25 يناير، تحولت أحلام التغيير إلى كابوس، الدولة والشعب واجها حالة من الشك والتشتيت، وكاد البلد أن يدخل فى حرب أهلية، خاصة مع انقسام الشعب وزرع حالة من عدم اليقين بين الناس، وأكثر نقطة كانت هى الاستقطاب والانقسام ونشر الخلاف، وتصوير الشعب على أنه جماعات وتجمعات وقبائل وأضداد، مع وجود إرهاب نجح فى دول من حولنا فى أن ينتزع محاولات التغيير، ويحولها إلى حمّامات دم وحروب أهلية وملايين اللاجئين، لتتحول أحلام التغيير إلى كوابيس، فى مصر كانت بؤر الإرهاب تتجمع، لتبدأ عملية اقتسام المنطقة بين جماعات متطرفة وتنظيمات مسلحة.
 
خلال السنوات الثلاث بعد يناير 2011، وجد المصريون أنفسهم - لأول مرة  بعد عقود - مهددين فى هويتهم، بجانب اقتصادهم، وشؤونهم مرهونة بإرادة مرشد فى الداخل، ومرشدين فى الخارج، وتبعية اختيارية لدول وأجهزة، أسرارهم مستباحة، ووطنهم فى مهب الريح، عداء تاريخى للنواة الصلبة، مع رغبة فى الانتقام والتفكيك، بجانب وضع اقتصادى ورئيس بلا برنامج أكثر من مجرد رهن قرار المرشد فى دولة بحجم مصر للخارج، مع الإطاحة بأبسط قواعد العمل السياسى. 
 
استشعر المصريون الخطر، وخرجوا ليرفضوا حكم المرشد، وتابعيه، ومواجهة التهديدات، ومعها ارتباك اقتصادى انتهى بنزح الاحتياطى النقدى، بعد تآكل الاقتصاد وانعكاسات الفوضى على الأنشطة الاقتصادية، هربت الاستثمارات، وتوقفت التنمية، وتضاعفت البطالة والمرض، وصعدت أزمات الكهرباء والوقود، مع شك وانقسام كاد يذهب بالبلد للمجهول.
 
كان هذا هو الواقع، وكان على المصريين أن يعبروا الكثير من الفخاخ والألغام، فالدولة واجهت إرهابا أدى إلى تفكك دول وفقدان دول أخرى لتوازنها، مع وضع اقتصادى صعب، واحتياطى متآكل واستثمار هارب وبنية أساسية شبه منهارة، وعشوائيات تحيط القاهرة وتحزم المحافظات، وفيروس قاتل يأكل أكباد المصريين، كهرباء مقطوعة، أزمات فى الوقود والخبز، بنية أساسية متهالكة، بطالة، ومجتمع ينظر للمستقبل بخوف وتردد، وإقليميا دولة معزولة منكفئة على نفسها.
 
كان الاختيار هو «العمل» فى كل المحاور والاتجاهات فى وقت واحد، وإذا أردنا تقييم ما جرى يمكن أن نطرح السؤال العكسى: ماذا لو لم يتم العمل فى كل الملفات معا؟ 
 
هل كان يمكن الاستمرار من دون محطات كهرباء وطرق وأراض زراعية إضافية ومدن جديدة تتسع لملايين الناس، من دون شبكة الطرق، واختناق وغياب لشبكة مواصلات عام إنسانية، حتى الطرق الدائرية والمحاور تم تصميمها بدون تخطيط، مع الاستسلام للعشوائيات، ووصلت أحوالها إلى الاختناق، وكان التدخل الجراحى هو الحل، من خلال مخطط شبكة الطرق القومية، التى تربط المدن والمجتمعات الجديدة بالقاهرة وببعضها، وشبكات طرق إقليمية شاملة توفر الوقت والجهد؟ هل كان يمكن الاستغناء عن هذه الطرق والكبارى التى حلت الأزمة، بجانب شبكات مترو الأنفاق والقطارات الخفيفة والكهربية التى تضاعف من قدرت الاستيعاب والتوسع ضمن ممرات تنمية؟
 
هل كان يمكن الاستمرار من دون عملية إصلاح اقتصادى مؤلمة، لإنهاء ازدواج سعر العملة، وتعديل سعر الوقود وإعادة هيكلة الدعم، وبناء محطات كهرباء عملاقة، والبدء فى مشروعات لإعادة بناء البنية الأساسية وإزالة تراكمات عقود، وإزالة العشوائيات ونقل سكانها الى مجتمعات متحضرة، والتوسع أفقيا ورأسيا وإضافة مساحات أراض جديدة تقترب من ثلث المساحة التى كانت مستغلة من قبل؟ 
 
فى حال عدم إطلاق الرئيس لمبادرة علاج وإنهاء الفيروس الكبدى «سى»، هل كان يمكن أن يواصل الفيروس أكل أكباد المصريين على مدار عقود؟ حيث تم علاج ملايين المرضى بالمجان، وتبعتها مبادرة «100 مليون صحة»، وبالتوازى معها كانت عملية انتشال سكان العشوائيات وإنهاء عار بدا مستعصيا على الإنهاء، وتم نقل سكان العشوائيات إلى الأسمرات 1و2، وفى الإسكندرية غيط العنب وبشاير الخير، وغيرها، فهل كان يمكن لمئات الآلاف من الأسر أن تبقى وتعيش فى العشوائيات، والتى كانت تتسع، وتستمر ويتابعها الإعلام ويقف أمامها الناس يصممون الشفاه؟
 
هل كان يمكن تأجيل بناء محطات الكهرباء العملاقة، التى نقلت مصر من الظلام إلى عصر تصدير الكهرباء، توازيا مع شبكة طرق عملاقة وكبارى ومحاور وأنفاق، ومدن صناعية وأخرى سكنية من الجيل الرابع، مع إسكان اجتماعى لمحدودى الدخل؟ فى حال عدم البدء فى هذه المشروعات معا، هل كان يمكن أن يتحمل المصريون البقاء فى الزحام والطرق المتهالكة ونقص الطاقة؟ وهل كان يمكن الاتجاه إلى الصناعة أو المدن الصناعية؟
 
الإصلاح الاقتصادى، أثمر نتائج على حياة الناس، صمدت الدولة أمام تداعيات فيروس كورونا، واستمرار العمل فى مبادرة «حياة كريمة»، التى اعتبرتها الأمم المتحدة أفضل الممارسات الدولية توافقا مع كل أهداف التنمية المستدامة، وتطوير شامل للريف فى أكثر من 4500 قرية خلال 3 سنوات على 3 مراحل، وتمثل تغييرا حقيقيا لأكثر من نصف سكان مصر بين 50 و60 مليون إنسان فى الريف، والنهوض بمكونات البنية التحتية من مياه وكهرباء وغاز وصرف صحى وتبطين الترع ورصف الطرق وخدمات الصحة والتعليم، وتغيير حياتهم جذريا، ليصبحوا شركاء فى عملية التنمية، ويشعروا بثمار نتائج عملهم، فكل ما يجرى على أرض مصر من تغيير شامل، هل كان يمكن ترك مثل هذا المشروع وترك الريف نهبا للإهمال والتهميش؟ 
 
ماذا يحدث فى حال عدم إنشاء شبكة طرق ومحاور وكبارى عملاقة، وعاصمة إدارية جديدة ذات بنية تقنية ومعلوماتية عالية الدقة، وتطوير القاهرة التاريخية، والمتاحف الجديدة، ومحاور لربط المتاحف بحركة السياحة مع مدن من الجيل الرابع، «العلمين الجديدة، والمنصورة الجديدة، ودمياط وأسيوط والمنيا الجديدة»، وغيرها، تستوعب ملايين المواطنين، وتمتص الزيادة السكانية، وتتضمن أنشطة زراعية وصناعية وتجارية واجتماعية؟ 
 
 هل كان يمكن استمرار الاختلال فى ملف الإسكان وغياب خطط للبناء، والعجز عن توفير مسكن ملائم، ما كان سببا فى ظهور العشوائيات والمبالغة فى البناء الفاخر، وتعطيل قواعد العرض والطلب، وشاعت السمسرة و«التسقيع»، لو لم تتحرك الدولة لعلاج الملف من خلال مشروعات سكنية متنوعة، وإسكان اجتماعى ومتوسط، لتوفير إسكان مناسب لكل الفئات فى المجتمع، الإسكان الاجتماعى للشباب وذوى الدخول المنخفضة، والإسكان المتوسط للطبقة الوسطى؟
 
هل كان يمكن الإبقاء على ملف الزراعة كما هو؟ وفى حال عدم إضافة ملايين الأفدنة لإنتاج القمح والمحاصيل الاستراتيجية فى توشكى، ومستقبل مصر، والدلتا الجديدة، كيف كان من الممكن مواجهة أزمة مثل حرب أوكرانيا من دون رصيد يصل إلى مليونى طن من القمح.
 
 مشروع مستقبل مصر يسهم بنصيب كبير فى الإنتاج الزراعى من أراض جديدة تضاف إلى الرقعة الزراعية، 288 ألف فدان من المحاصيل الاستراتيجية «القمح، والذرة، وبنجر السكر» خلال 3 سنوات، تصل المساحة خلال عامين إلى 700 ألف فدان، ضمن التوسع الأفقى فى «الدلتا الجديدة» بمساحة 2.2 مليون فدان، ومشروع تنمية جنوب الوادى فى توشكى بمساحة 1.1 مليون فدان، ومشروع تنمية شمال ووسط سيناء بمساحة 456 ألف فدان، ومشروع تنمية الريف الجديد بمساحة 1.5 مليون فدان، ومشروعات أخرى ببعض محافظات الصعيد والوادى الجديد بمساحة 650 ألف فدان، وهو ما يمثل إضافة تصل إلى ربع المساحة التى تكونت على مر العصر الحديث منذ بداية تنظيم الرى والزراعة.
 
النقل الحديث هو الذى يمثل الجناح الأهم لأى استثمار زراعى، أو صناعى، والقطار الكهربائى الحديث يدعم فكرة ممرات التنمية، وينتج حوله مجتمعات وأنشطة مختلفة فى مناطق خالية، قطارات كهربائية تخدم ملايين الركاب يوميا، وتنقل ملايين الأطنان من البضائع سنويا، الخط الأول العين السخنة على البحر الأحمر، مع الإسكندرية والعلمين ومرسى مطروح على البحر المتوسط، والثانى يربط القاهرة وأبوسمبل، مرورا بمدينتى الأقصر وأسوان، والخط الثالث من قنا وصولا إلى سفاجا ومرورا بالغردقة.
 
كل هذه المشروعات وغيرها فى الصناعة والزراعة والدواء، وربط شرق النيل بغربه، وتوسعة الجغرافيا بإضافة 14%، فى حال غيابها، كيف كان سيكون الحال لو لم يتم اختيار الحل الأصعب، وهو «العمل» فى كل المحاور والاتجاهات؟ 
 
p
 

 







مشاركة



الموضوعات المتعلقة




الرجوع الى أعلى الصفحة