على مدار السنوات الأخيرة، تحرص الدولة المصرية على مد وتوسيع الشراكة والتعاون والتنسيق مع مختلف التجمعات الكبرى، ضمن سياسة خارجية قائمة على التوازن، وبعد أن أعادت بناء دائرتها الأفريقية، وسَّعت من التفاعل مع الدائرة المتوسطية، وفى الوقت ذاته تقوم بدور الجسر بين كتلتين فاعلتين «أفريقيا وأوروبا»، وضعا فى الاعتبار الانحياز إلى مطالب أفريقيا المشروعة فى التنمية والطاقة، بحيث لا تبقى القارة مجرد مصدر للمواد الخام، وتحصل على فرصة للتنمية والتصنيع والحصول على القيمة المضافة، ضمن تنمية حقيقية.
وخلال نوفمبر الماضى، تسلمت مصر رئاسة قمة السوق المشتركة لدول شرق وجنوب أفريقيا «الكوميسا»، وقبلها أطلق الرئيس استراتيجية متوسطة المدى لتوسيع وتعميق التكامل الإقليمى والنشاط الاقتصادى والتنمية بين دول التجمع، بالتناغم مع اتفاقية منطقة التجارة الحرة فى أفريقيا التى دخلت حيز التنفيذ.
قاريا، توسع مصر التعاون مع الدول الأفريقية، سياسيا واقتصاديا، وتسعى لتبادل الخبرات وتوطين الصناعة، وهو أمر يتطلب تأمين الطاقة، لأنها الأساس للصناعة والتنمية، حيث يحرم أكثر من نصف سكان أفريقيا من الكهرباء، بينما يفترض أن تفى الدول الصناعية الكبرى بتعهداتها فى مساندة الدول الأفريقية، للدخول إلى عصر الطاقة المتجددة والكهرباء، وهو أمر يتطلب تمويلا كبيرا، يمكن أن يتوافر من الدول التى تحصل على مصالحها الغذائية والزراعية من أفريقيا.
ومن هنا تأتى أهمية القمة «الأفريقية / الأوروبية»، حيث تلعب الدولة المصرية والدول الأفريقية الحاضرة فى القمة، دورا فى عرض مطالب القارة واحتياجاتها فى الطاقة والخدمات، وفى الوقت ذاته، تؤمن أوروبا احتياجاتها من أفريقيا، وهى معادلة عادلة تتطلب تفاهمات توفرها مثل هذه المؤتمرات، وسعت مصر على مدار السنوات الماضية لعقد قمم أفريقيا وروسيا، وأفريقيا والصين، وأفريقيا واليابان، لبناء علاقات متوازنة تحقق مصالح كل الأطراف، خاصة أن السوق الأفريقى به الكثير من الفرص الواعدة، وتأتى أهمية الدورة السادسة للقمة «الأفريقية / الأوروبية» فى العاصمة البلجيكية بروكسل، بحضور قادة ورؤساء حكومات أكثر من 50 دولة أعضاء فى الاتحادين الأوروبى والأفريقى، لتأكيد حق أفريقيا فى التنمية، حتى لا تدفع القارة ثمنا مضاعفا، مرة من الاستغلال الاستعمارى، ومرة بسبب التغير المناخى الناتج عن أنشطة الدول الصناعية الكبرى، وهو ما أكد عليه الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال معرض مصر الدولى للبترول «إيجبس»، أن أفريقيا تأخرت لأسباب تاريخية، ولا تزال تدفع ثمن المراحل الاستعمارية، عندما تم استغلال مواردها لعقود طويلة، ولا تزال تعانى من الفقر والتخلف والجهل والمرض، ويعيش نصف سكان أفريقيا من دون طاقة، ويموت 400 ألف سنويا بسبب التلوث، وأن النقص فى التنمية ينعكس على عدم الاستقرار، وتنامى الإرهاب والتطرف والهجرة غير الشرعية، وبالتالى يهدد السلم والأمن قاريا وعالميا، وعليه، فإن التزام الدول الكبرى بتعويض أفريقيا عن التلوث، ومنحها فرص الدخول للطاقة المتجددة، هو حق أصيل للقارة، يمكنها من التنمية والتصنيع واستغلال ثرواتها، وتعد قمة المناخ السابعة والعشرون فى مصر فرصة لطرح قضية تغير المناخ، ومواجهتها بجدية، وصدور قرارات موضوعية ومتوازنة وعادلة.
وهنا تقدم مصر رسالة أخلاقية وإنسانية بجانب أنها سياسية، واقتصادية تدعم حق أفريقيا فى الطاقة كأساس للتنمية، وهو نفس ما يتعلق باللقاحات، والرعاية الصحية، وهذه الرسائل، تمثل تطورا فى خطابات دول القارة، ما بعد الاستقلال، خاصة أن هذه الالتزامات على الدول الكبرى، تتماشى مع ما تطرحه حول حقوق الإنسان وقواعد العدالة، وهنا تأتى أهمية القمة بين القارتين الأوروبية والأفريقية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة