فاجأ الدب الروسى العالم بضربة عسكرية مباغتة على أوكرانيا، ليضرب بالعقوبات المفروضة من قبل أوروبا والولايات المتحدة عرض الحائط، فهل ستتحرك واشنطن ضد روسيا أم ستظل استراتيجية واشنطن الرئيسية تدور حول مواجهة الصين ومنعها من اتخاذ إجراءات مماثلة فى تايوان، وبين هذا وذاك تواجه أمريكا خيارات صعبة لاختيار مواجهة دولة واحدة منهما أو مواجهتهما فى آن واحد.
نيوز ويك
وعلى صعيد آخر، قالت صحيفة "نيوزويك" إن استطلاعات الرأى تظهر أن ما يقرب من 60% يعتقدون أن واشنطن ستدعم تايوان عسكريًا في حالة وقوع هجوم صيني ، بينما يعتقد أكثر من النصف أن الولايات المتحدة يمكن أن تنجح فى الدفاع عن تايوان إذا اختارت التدخل، وتتجسد هذه الثقة من خلال المشاعر السائدة على الجانب الآخر من المحيط الهادئ ، حيث يبدو أن الجمهور الأمريكى على استعداد لرؤية الجزيرة محمية بالأصول العسكرية الأمريكية ، على الرغم من أن نفس الرأى لم يمتد إلى أوكرانيا.
وقالت صحيفة "فورين بوليسى" إن تفكير الولايات المتحدة يركز بشكل كبير على أوكرانيا الآن تزامنا مع الغزو الروسى لأوكرانيا، مشيرة إلى أن هناك الكثير من الجدل فى واشنطن حول وجود مؤشرات على غزو صينى لتايوان، وأكدت الصحيفة أن هدف بكين هو إجبار تايوان على تلبية مطالبها السياسية وقبول السيطرة الصينية على الجزيرة مع منع الولايات المتحدة من الوقوف في طريقها، في حين أنها قد تغزو تايوان لتحقيق هذه النتيجة ، فإنها الأن تحتاج بالضرورة إلى القيام بذلك، وأكدت أن الصين قد تكون راضية عن نتيجة مماثلة لهونج كونج ، حيث تتولى حكومة أكثر رضوًخا فى تايبيه زمام الأمور وتقدم تنازالت تعزز السيطرة الصينية على الجزيرة.
فورين بوليسى
وبحسب "فوكس نيوز" قال المحلل السياسى الأمريكى، رافائيل كوهين، الضابط السابق بالجيش الأمريكى وأحد كبار الباحثين بمؤسسة البحث والتطوير الأمريكية «راند»، إنه مع قرع طبول الحرب فى أوكرانيا، ظهر صوت غير متوقع يدعو إلى ضبط النفس؛ إنهم صقور الصين.
ويضيف كوهين "أن أعضاء الكونجرس أعربوا عن انفتاحهم على تقديم تنازلات لروسيا، حيث قال البعض إن أى رد أمريكى على روسيا من شأنه أن ينتقص من قدرتنا على ردع الصين، وعلى نحو مماثل، حذر محللون دفاعيون بارزون فى الشأن الصينى من السماح لحرب فعلية فى أوكرانيا بـ«صرف الانتباه» عن الصراعات المحتملة الأخرى، وأبرزها غزو تايوان بقيادة صينية، حتى أن تاكر كارلسون، الشخصية البارزة فى شبكة فوكس نيوز، أشار الشهر الماضى إلى أن «الصين وحدها هى التى تستفيد من الحرب مع روسيا".
وجوهر الأمر فإن هذه المدرسة الفكرية تدفع بأن الولايات المتحدة ليس لديها خمسة خصوم بالتحديد، كما ترى بعض استراتيجيات الدفاع، فى إشارة إلى الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية والإرهاب، ولكن لديها خصم واحد فقط وهو الصين.
الحرب بين روسيا وأوكرانيا
وتدور المدرسة الفكرية، التى تنادى بمبدأ «الصين أولا وأخيرا»، حول ثلاثة افتراضات أساسية. أولا، فى حين أن روسيا قد تكون مصدر إزعاج، فإن الصين هى الوحيدة التى تمتلك القوة العسكرية والاقتصادية القادرة على تحدى النظام الدولى الذى تقوده الولايات المتحدة. ثانيا، لا تملك الولايات المتحدة القدرة العسكرية على التعامل مع كل من الصين وروسيا فى وقت واحد، وثالثا، ينبغى على الولايات المتحدة أن تركز على الصين وتترك حلفاءها الأوروبيين للتعامل مع روسيا.
وبالنظر بشكل أكثر تدقيقا، لا يبدو أن أيا من هذه الادعاءات قائم، وفى حين تشكل الصين بالفعل التحدى الأكبر على المدى الطويل، لا يمكن للولايات المتحدة ببساطة أن توكل حل مشكلة روسيا إلى غيرها، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن روسيا نفسها لن تسمح بذلك.
فقد حاولت روسيا التدخل فى انتخابات أمريكية متعددة، وكان القراصنة الروس (رغم أنه ربما لا تكون الحكومة نفسها) مسؤولين عن الهجوم الإلكترونى على خط أنابيب كولونيال الذى ترك العديد من الولايات الجنوبية الشرقية دون بنزين لعدة أيام. وهاجم مرتزقة روس قوات العمليات الخاصة الأميركية فى سوريا، ولا تزال هناك مزاعم غير قاطعة بأن روسيا دفعت مكافآت لمهاجمة القوات الخاصة الأمريكية فى أفغانستان، ورغم أن روسيا غير مريحة من الناحية الاستراتيجية، فإنها تنظر إلى الولايات المتحدة على أنها خصمها الرئيسي، وبالتالى يجب على الولايات المتحدة مواجهتها، وفقا لما يراه كوهين.
كما أن الأمر ليس بالضرورة أن الولايات المتحدة سوف تفتقر ببساطة إلى القدرة على الرد على كل من الصين وروسيا فى وقت واحد، فصحيح أن ميزانية وزارة الدفاع ستكون محدودة دائما، ولكن فى ذروة الحرب الباردة، كان الإنفاق العسكرى للولايات المتحدة، كحصة من الناتج المحلى الإجمالي، أكثر من ضعف ما هو عليه اليوم. وإذا ما ستزداد ميزانية الدفاع فى الولايات المتحدة فى المستقبل كما أوصت بذلك لجنة استراتيجية الدفاع الوطنى من الحزبين الجمهورى والديمقراطي، فإن صورة الموارد قد تبدو مختلفة.
الحرب بين روسيا وأوكرانيا
وأخيرا، يقول كوهين إنه ربما الأهم من ذلك، أن من الخطأ التفكير فى الصين وروسيا باعتبارهما مشكلتين مستقلتين. وتحتاج الولايات المتحدة إلى حلفائها الأوروبيين لمواجهة الصين، لأسباب اقتصادية فى الغالب ولكن عسكريا أيضا، فقد ساعدت المملكة المتحدة للتو فى صياغة اتفاق غواصات نووية بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة لتعزيز قوة الحلفاء البحرية فى المحيط الهندي. وتحتفظ فرنسا أيضا بوجود عسكرى فى منطقة المحيطين الهندى والهادي. وحتى ألمانيا أرسلت مؤخرا سفنا إلى المنطقة. وإذا تركت الولايات المتحدة مشكلة روسيا لبقية أوروبا، فما الذى يمنع بقية أوروبا من ترك الصين إلى الولايات المتحدة؟
ويرى كوهين الأمر على أنه مسألة وضع سوابق عالمية، فإذا تمكنت روسيا من التصرف مع الإفلات من العقاب فى أوروبا، فعندئذ يمكن للصين فى آسيا أن تتصرف كذلك، وهناك بالطبع الكثير من الأسباب التى تجعل تايوان ليست على غرار أوكرانيا، وتجعل حلفاءنا الآسيويين يختلفون عن حلفائنا الأوروبيين. لكن النقطة الأساسية تبقى هى أنه إذا جلسنا وسمحنا للأنظمة الاستبدادية بالتسلط على جيرانها الديمقراطيين الأصغر حجما لإخضاعها دون تداعيات، فإن ذلك سيرسل إشارة قوية إلى بقية العالم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة