موقف الصراع الروسي الأوكراني يحتدم يوماً بعد الآخر، نتيجة غياب الحلول والرؤى الدبلوماسية التي قد تضع حداً للحرب، كأن تقدم أوكرانيا الضمانات الكافية لعدم الانضمام إلى حلف الناتو خلال الفترة الراهنة ومستقبلاً، وتأييد هذه الضمانات من الاتحاد الأوروبي وأمريكا، بدلا من الدوران في حلقة مفرغة لن تجدى نفعاً أو تحقق تهدئة فعلية للأوضاع السياسية الملتهبة.
ورقة مجلس الأمن خاسرة تماماً كما نعرف جميعاً، خاصة مع استخدام روسيا لحق "الفيتو"، وامتناع بعض حلفائها عن التصويت، لذلك يجب طرح حلول قابلة للتنفيذ على الأرض، لاستعادة الأوضاع في أوكرانيا إلى ما كانت عليه، وإنقاذ آلاف الأرواح، التي قد تزهق نتيجة الصراع الدائر والمواجهات المسلحة التي لن تهدأ خلال الأيام المقبلة، لذلك على أوروبا وأمريكا دفع القضية وأطرافها للحوار برعاية أممية، بدلاً من اللجوء إلى سياسات التهديد بالعزلة والعقوبات الاقتصادية والإقصاء من النظام المالي العالمي، فهذا لن يحرك القضية للأمام خطوة واحدة، بل يزيد تعقيدها لدرجة يصعب معها الحل.
فكرة المرتزقة التي دعا إليها الرئيس الأوكراني لمواجهة الروس قبل الدخول إلى العاصمة " كييف"، غير مجدية، لعدد من الأسباب، أولها أن الجيش الروسي يحاصر أوكرانيا على مختلف الاتجاهات الاستراتيجية، عدا الجانب الغربي، ويسيطر على المطارات، وكذلك البحر الأسود، الأمر الذي يجعل دخول مقاتلين أجانب صعب جداً، بالإضافة إلى حظر الطيران فوق الأراضي الأوكرانية في الوقت الراهن، كذلك قدرة الجيش الروسي على المواجهة مهما طالت مدة الحرب، كذلك لو افترضنا نجاح عملية دخول المرتزقة، ستتحول أوكرانيا إلى حرب شوارع، ومستويات التدمير والتخريب للبنية التحتية ستكون كبيرة جداً.
الاقتصاد الأوكراني أقرب إلى الانهيار خلال الفترة المقبلة، إذا ما استمرت الأوضاع على نفس الوتيرة، فالمصانع معطلة، ومعدلات الهجرة على الحدود الغربية مرتفعة جدا، بالإضافة إلى توقف الحياة بصورة كاملة نتيجة الحرب، الأمر الذي يهدد بكارثة إنسانية على المدى الطويل، لذلك يجب أن تحسم أوكرانيا قرارها سريعا، وتتجه إلى الجلوس على طاولة المفاوضات الروسية، فالبدائل المتاحة لهذا السيناريو كارثية ولا تنذر بخير للشعب الأوكراني، وسوف تخلق أزمات طويلة الأمد.
موسكو تحتاج إلى تأكيدات بالتراجع عن العقوبات الاقتصادية من جانب أوروبا وأمريكا حال خروجها من أوكرانيا، قبل البدء في أي إجراءات تتعلق بالانسحاب، أو البديل ستكون عملية احتلال كلاسيكية للأراضي الأوكرانية والسيطرة على مواردها، وهذا سيحدث بمجرد سقوط العاصمة " كييف"، لذلك يجب إعلاء صوت الحوار، والقبول بالمعادلة الجديدة التي فرضها الاجتياح الروسي لأوكرانيا، والمتغيرات الجديدة التي صاحبت هذا التحول، والحدود الجغرافية الجديدة التي سيتم ترسيمها بعد الاعتراف بجمهوريتي لوجانسك ودونيتسك، في إقليم دونباس، خاصة أن هذه المنطقة غنية بالموارد الطبيعية، وموطن للصناعات الثقيلة.
تحقيق النصر أهم بكثير من إطالة أمد الحرب، هكذا تتحدث أغلب أدبيات الحروب، لذلك فإن طول مدة الحرب ليست في صالح روسيا وأوكرانيا على حد سواء، إلا أن خسارة الأخيرة أكبر وأعمق بكثير، خاصة أن بنيتها التحتية تتعرض للتدمير، وجيشها يتلقى القصف، وترتفع خسائره بين الحين والآخر، وهذا في حد ذاته كارثة متعددة الأبعاد، فالعتاد الحربي لأى بلد ثروة قومية أهم من الأموال والموارد المباشرة، فالوقت المستغرق لتصنيع طائرة قد يمتد لـ 5 سنوات من العمل المتواصل، وكذلك الدبابات والوحدات الثقيلة، وأنظمة الدفاع الجوي والمطارات، فلا يمكن لدولة فقدت عتادها الحربى أن تعيد بناءه في أيام أو سنوات محدودة، بل تحتاج على الأقل 10 سنوات، حتى تتمكن من استعادة قدرتها مرة أخرى، حال قدرتها الاقتصادية في الإنفاق على إعادة تأسيس جيش.
الخسائر المتعلقة بالجانب الروسي أغلبها يتعلق بالعقوبات الاقتصادية من جانب أوروبا وأمريكا، وسياسة عزلها دولياً، لكنها على المستوى العسكري، تمتلك ترسانة أسلحة ضخمة، وجيش قادر على الصمود والمواجهة والحرب على جبهات عديدة في وقت واحد، بالإضافة إلى إمكانياتها الكبيرة في التصنيع العسكري، فلا توجد دولة بعينها تمارس ضغوط على موسكو في الجانب العسكرى، كما أن مواردها الطبيعية، وما لديها من ثروات، يمكنها من الاستمرار في خيار الحرب لفترات أطول من أي دولة أخرى، بالإضافة إلى ميزة أساسية في حربها مع أوكرانيا، ترتبط بفكرة الحرب الحدودية، فالجيش الروسي حرك فقط قواته على الجبهة الجنوبية للأمام قليلا، ولم يلجأ إلى عبور حدود دول أخرى أو القتال على أرض لا يعرفها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة