"تعالى يا أستاذ.. رجعنا نبيع الرغيف بجنيه تانى، والوزن بتاعه هيزيد كمان"، هذه كلمات صاحب المخبز، الذي أشترى منه الخبز يومياً، وقد قاطعته لعدة أيام، بعدما رفع سعر الرغيف 25 قرشا دفعة واحدة، عقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، تحت ادعاء الغلاء وارتفاع أسعار الخامات ومكونات الإنتاج، لكنه عاود بسرعة للبيع بالسعر القديم، بعدما تدخلت الدولة لضبط أسعار الخبز السياحي وتقنين وزنه، وتحديد غرامات كبيرة من 100 ألف جنيه إلى 5 ملايين على المخابز المخالفة لقرار وزير التموين الذي ينظم أسعار البيع.
كل المخابز السياحية في ربوع المحروسة رفعت سعر الرغيف دفعة واحدة خلال الفترة الماضية، وكأن هناك اتفاق مسبق على ذلك، لكنها تراجعت جميعها أيضاً، وعاودت البيع بالسعر القديم مرة أخرى، وقد كانت المبررات السابقة أن الغلاء وارتفاع الأسعار السبب، إلا أن هذه المبررات الكاذبة تلاشت بسرعة، وبدأت المخابز تستعيد زبائنها مرة أخرى، بعدما تأكدت أن الدولة لن تسمح بالتلاعب في أسعار الخبز، أو استغلاله لتحقيق مكاسب طائلة على حساب المواطن، خاصة أن الدقيق والخامات ومكونات الإنتاج، لم يتم تحريك أسعارها.
التاجر في مصر لا يعرف "الخسارة"، أو بمعنى أدق لا يقتنع بالمكاسب المحدودة والنسب المعقولة المعروفة في كل دول العالم، فلو لم يحقق مكاسب من 30 إلى 50% لن يستمر وسوف يبحث دائماً عن مجالات أكثر ربحية، فما بالنا لو كان يدير تجارة تحقق خسائر، فسوف يكون الإغلاق هو الخيار الأول، لذلك كان قرار المخابز السياحية برفع سعر العيش ليس أكثر من جشع واستغلال للظروف وغياب للضمير، ورغبة في تحقيق مكاسب خيالية، على حساب المواطن البسيط.
التجربة أثبتت أن الرقابة الفعالة واليقظة الحكومية في مواجهة الاحتكار تؤتى ثمارها، في هذه السوق المتسعة العشوائية، التي تتحرك فيها الأسعار بمعدلات غير مفهومة، وتتجاوز القوانين الحاكمة لفكرة العرض والطلب، لذلك جاء تحرك الأجهزة الرقابية المختلفة خلال الفترة الماضية مهم ومحمود وحاسم في إعادة الأمور إلى نصابها والانحياز للمواطن، لذلك على هذه الأجهزة أن تستمر وتواصل دورها الحيوي في تحقيق الرقابة والضبط للأسواق.
أتصور أن الوقت مناسب الآن لتقدم الحكومة الدعم الكافي لجهاز حماية المستهلك، باعتباره أحد أهم الجهات التي يمكن للمواطن التواصل المباشر معها، عن طريق الخطوط الساخنة أو التوجه المباشر للفروع، خاصة أن الجهاز يعاني مشكلة أساسية مرتبطة بنقص أعداد الموظفين، مقارنة بحجم الشكاوى المنظورة، والمهام المكلف بها، وهذا بالطبع يحد من قدرته في مواجهة مئات الشكاوى التي تصله يومياً، كما أن الجهاز يحتاج معاونة صادقة من جانب الأجهزة التنفيذية، مثل مباحث التموين وأقسام الشرطة، والأحياء ومراكز المدن وجهات الحكم المحلى فى المحافظات، لسرعة التعامل مع البلاغات، وتنسيق الحملات الميدانية، التي تساهم بلا شك في تحجيم الاحتكار والاستغلال وعدم الإعلان عن أسعار السلع والخدمات، لذلك يستحق الجهاز الدعم والرعاية من جانب الحكومة، خاصة أن القانون منحه سلطات واسعة في ضبط الأسواق والرقابة عليها، لكن حتى يتسنى له ممارسة هذا الدور بفاعلية، يجب توفير الكوادر الفنية المدربة والعمالة اللازمة، التي يمكن من خلالها مواجهة الأعداد غير المحدودة من الشكاوى التي تصل يومياً.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة