من الصادقين مع أنفسهم ومع الله كان أبو منصور الحلاج، أشهر صوفي فى تاريخ الإسلام، وقد كانت حياته ومن بعدها موته دراما متصلة من المعاناة والألم وعدم فهم الناس له.
وما حدث للحلاج يكاد لا يصدق، يكاد يكون مبالغًا فيه، وذلك لأن طريقة موته كانت محملة بحقد شديد تجاهه، حيث تقول كتب التاريخ إنه تم سجنه فى سنة 301 هجرية، وأنه بعد ثمانى سنوات من السجن وفى مساء 23 ذى الحجة من عام 309 تم جلده 1000 جلدة، وفى صبيحة اليوم التالى قطعت أطرافه وصلب على جذع شجرة، أما فى صباح 25 ذى الحجة فقد قطع رأسه وصب النفط على بدنه وأحرق ثم حُمل رماده إلى رأس المنارة وألقى فى نهر دجلة.
وعادة أتساءل لماذا لم يتركه الناس في حاله؟ هل كان يقطع الطريق على الناس ويفرض عليهم أفكاره هل كان يجبرهم على شيء؟ أعرف أن الناس اختلفوا حوله منهم من قال بكفره ونسبوه إلى مذهب القرامطة، ومنهم من وافقه وفسر مفاهيمه.
مالا جدال عليه أن الحلاج كان يعبد الله مخلصا ولم يقل يوما غير ذلك، لكن يبدو أن أفكاره لم ترض الفقيه محمد بن داود قاضى بغداد، فقد رآها متعارضة مع تعاليم الإسلام حسب رؤيته لها، فرفع أمر الحلاج إلى القضاء طالباً بمحاكمته أمام الناس والفقهاء.
ويبدو أن الحلاج عاش مطاردًا منذ بدايته، فبحسب كتاب "ظهر الإسلام" للكاتب أحمد أمين، فإن الحلاج فر من مكة، بعدما اتهمه عمرو المكى بأنه يعارض القرآن، فلعنه، وود قتله، فما كان من الحلاج إلا الهروب والتجرد من لباس الصوفية، ولبس المرقعة والقباء، ورحل إلى خراسان وبلاد ما وراء النهر، وظل فى رحلته خمس سنوات، قبل أن يعود إلى العراق ويقضى بها عامين.
وفى سنة 297 هـ، أفتى ابن أبى داود الظاهرى، بكفره لكلامه فى الحب، ففر مرة أخرى إلى الأهواز، واختفى بها، واتهم فيها بدعوى الألوهية، ثم تنقل بين السجون المختلفة سبع سنوات، ومع ذلك استمر فى الدعوة حتى آمن به بعض شخصيات البلاد، فتم استجوابه، وحكم عليه بالإعدام والتمثيل به، وإحراقه، وإلقاء ما بقى من جسده فى نهر الفرات.
وبحسب كتاب "الإسماعيليون: تاريخهم وعقائدهم" لـ فرهاد دفترى، فإن الحلاج، كان له تأثير عظيم فى العديد من الناس، من بينهم بعض أفراد البيت العباسى، فأثار غيرة مسئولين فى الدولة حينها، فاتهموه بكونه قرمطيا، وأورد أعداؤه بقيادة ابن الفرات أدلة عدوها كافية لإدانته، ومنها إساءة التفسير المتعمد لبعض التأويلات الرمزية عند الحلاج، ومزاعمه بالاتحاد الروحى مع الله، فتم سجنه عدة سنوات، ومحاكمته عام 921، وحكم عليه بالموت وسط جو مشبع بالدسائس والمكائد، وجرى تعذيبه وصلبه، ثم قطت أعضاؤه بوحشية أمام جمهور كبير فى بغداد سنة 922 م.