"كان لدى أجر يمكنني من العيش بشكل جيد، لكن اليوم أصبحت موظفاً فقيراً" هذه كلمات وجهها مواطن فرنسي للرئيس إيمانويل ماكرون، يشتكي الغلاء والأوضاع المعيشية الصعبة، في مقطع فيديو أرسله لى أحد الأصدقاء، وقد ظهر الموظف الفرنسي وهو يناقش الرئيس ويخبره بأنه يتقاضى وزوجته 4 آلاف يورو شهرياً، وفى اليوم الخامس من كل شهر بعد دفع الفواتير والقرض، يتبقى له صفر، معللا أنها ليست حالة فردية، بل تخص أغلب العائلات الفرنسية، التي باتت ترى الذهاب للتسوق أو التزود بالوقود أمر مرعب!!
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رد على المواطن بعبارات بسيطة ومقتضبة قائلا:" كلامك صحيح في كل ما يتعلق بالبترول والغاز، وليست هناك وصفة سحرية أول حلول واضحة لأننا لا ننتجها، لكن يتعين علينا خفض الأسعار من خلال الاعتماد بشكل أقل على روسيا"، لكن المواطن استمر في سرد همومه دون توقف وانتهى إلى القول بأنه لم يعد يتمتع بما يتقاضاه، وهذه مشكلة كبيرة يعيشها المجتمع الفرنسي، نتيجة ارتفاع معدلات التضخم بصورة غير مسبوقة، بالإضافة إلى تبعات الحرب الروسية الأوكرانية.
أزمة ارتفاع الأسعار ليست خاصة بفرنسا وحدها، بل أزمة عالمية، يعاني العالم كله آثارها السلبية، وقد شاهدت تقرير مصور لقناة "دويتشه فيله" الألمانية، يسأل المواطنين الألمان عن كيفية مواجهة موجة الغلاء التي تسيطر على البلاد؟ وكانت الإجابات متنوعة، لكنها اتفقت جميعها على أن تقليل الاستهلاك بات ضرورياً، خاصة في السلع الأساسية مثل الزيت والدقيق، نتيجة انعكاس العقوبات الغربية على روسيا بصورة سلبية على المواطن الأوروبي، والتأثر الكبير لفرنسا وألمانيا، جاء نتيجة زيادة أعداد سكانهم، مقارنة بباقي دول أوروبا، فألمانيا وحدها عدد سكانها يتجاوز 84 مليون نسمة، وفرنسا حوالي 70 مليون نسمة، لذلك ظهرت مشكلاتها أسرع من غيرها، لكن بلا شك هناك أزمة غلاء كبيرة تجتاح أوروبا بالكامل، وستتجلى تبعاتها كاملة خلال الفترة المقبلة.
الشاهد من كل ما سبق أن حالة الغلاء التي يشعر بها المواطن المصري ليست خاصة أو مرتبطة بمصر دون غيرها، لكنها مشكلة عالمية تأثراً بالحرب الروسية الأوكرانية، ونقص سلاسل الإمداد بعد جائحة كورونا، وارتفاع معدلات التضخم بصورة غير مسبوقة، بل إن حدتها في مصر أقل من أي دولة أخرى نتيجة وفرة مخزون السلع الأساسية والاستراتيجية، وهذا ساهم في وفرة المعروض وعدم وجود مشكلة "الأرفف الخالية"، كما حدث في دول كبرى مثل ألمانيا وفرنسا خلال الأيام الماضية، لذلك يجب أن يعي المواطن المصري الموقف جيداً ويقرأ الأحداث بصورة تدفع نحو تقليل مخاطر ما يحدث في العالم قدر الإمكان.
تقليل الاستهلاك لم يعد خياراً في هذه الفترة، بل واجباً على كل الأسر، وتحدى حقيقي يجب أن يعرفه الجميع، فالأمر ليس مرتبطاً بقدرة حكومة أو أداء العملة المحلية، بل بسلسلة من التحديات العالمية، التي لا يمكن لأحد أن يتوقع نتائجها حتى الآن، أو يصل إلى حلول واضحة يمكن أن تقلل من تداعياتها، فلا توجد حلول أو وصفات سحرية لتجاوز هذه الأزمة، فقط الوعي هو السلاح الوحيد حتى لتخطى التداعيات السلبية لهذه الكارثة العالمية، التي بات تأثيرها يفوق أزمة كورونا من حيث التأثير والخطورة.