من بين القضايا التى تفرض نفسها على النقاش العام فى مصر الآن، قضية السكان، والتى تتخذها الدولة بجدية وتتطلب طرحا مجتمعيا وأن تكون جزءا من أى حوار لمناقشة الحاضر والمستقبل، وهى بالفعل موضوع لا يحتمل التأجيل، ثم أنه موضوع تتداخل فيه الكثير من العوامل، والأفكار الخاطئة والمفاهيم المغلوطة عن القوة البشرية، وكيفية توظيفها، وتحتاج إلى طرح صريح وجاد ومصارحة، وإقناع مع تشريع، وخلال حديث الرئيس عبدالفتاح السيسى، مع الصحفيين والإعلاميين، جدد الرئيس التأكيد على قضية السكان، وأن «حجم النمو الاقتصادى فى مصر لم يكافئ معدلات النمو السكانى، ولهذا تسعى الدولة إلى تقليص الفجوة بين نمو الاقتصاد والنمو السكانى، حتى يمكن أن نشعر بالتحسن اقتصاديا».
ومن واقع الأرقام فإن تعداد سكان مصر ارتفع من 77 مليوناً عام 2011 إلى 104 ملايين خلال عشر سنوات، بينما هناك دول عربية ظل عدد سكانها 11 مليونا خلال هذه الفترة، ومع هذا تواجه مشكلات اقتصادية، بينما مصر التى نجحت فى مضاعفة النمو والدخل، تجد نفسها مطالبة فقط بتوظيف وتوجيه أى نسبة نمو لسد متطلبات الزيادة السكانية، وإذا نظرنا لقضية المياه وحدها، ففى الستينيات كان نصيب مصر من المياه 55 مليار متر وسكان مصر 30 مليونا، وظل النصيب ثابتا وتضاعف عدد السكان أكثر من ثلاث مرات، ونفس الأمر فى كل المجالات فى عدد ما هو مطلوب من مدارس ومستشفيات وطرق ومساكن إلى آخر القائمة.
البعض يطرح أن الزيادة السكانية إضافة للطاقة البشرية، لكن الواقع أن الأعداد التى تتزايد تكون بلا إمكانات تعليمية أو صحية مما يجعلها عبئا عاما لا يمكن توظيفه أو الاستفادة منه، والفئات الأقل تعليما أكثر إنجابا، تعجز عن تربية وتعليم الأبناء، فيضاعفون من الأعباء على أنفسهم وأبنائهم والمجتمع، بينما الفئات التى تحرص على تعليم ورعاية الأبناء تنجب عددا أقل لتستطيع الإنفاق عليهم.
على مدى عقود ظلت قضية السكان مطروحة من دون تحقيق نتائج، الدولة والحكومات تتحدث، والزيادة السكانية مستمرة، وأى زيادة فى عوائد التنمية تلتهمها الزيادة السكانية، تمت حملات وبرامج ظلت نتائجها بسيطة، والحديث عن تنظيم الأسرة بدأ منذ الستينيات والسبعينيات، ومع برامج فى الثمانينيات من القرن العشرين، ووصل معدل الزيادة حاليًا 1.5 مليون، ولهذا تم إطلاق المشروع القومى لتنمية الأسرة ضمن رؤية مصر 2030، والهدف ليس الحد أو تنظيم الزيادة السكانية لكن الارتقاء بجودة الحياة والعنصر البشرى الذى يمثل قوام الدولة.
فى مارس الماضى، تم إطلاق المشروع القومى لتنمية الأسرة المصرية للتعامل مع قضية النمو السكانى، وبآليات تتضمن تشريعات للتنظيم ومعها حوافز، وأن يكون المجتمع نفسه شريكا فى العمل تجاه الأمر، خاصة أن هناك قطاعات فى المجتمع تحرص على تنظيم الأسرة، تدفع أعباء أسر أخرى تدفع بأعداد من الأطفال بلا مسؤولية أو اهتمام، مشروع الأسرة المصرية خطوة للتعامل معها على المدى القصير والمتوسط، ويستهدف جذب المجتمع، حتى يشعر بنتائج التنمية، فى الخدمات والتعليم والعلاج، حيث لا يمكن أن تقوم الدولة وحدها بهذه الخطة، لكنها أمر مشترك بين الدولة والمجتمع، من خلال التوعية والتشريعات التى يمكنها التعامل مع الزيادة السكانية، مثلما تم فى دول واجهت القضية، فرضت الصين، طفلا واحدا على مدى عقود، ونجحت فى ضبط الزيادة السكانية مع نسبة النمو، مع الوقت سمحت بزيادة الأبناء لاثنين أو أكثر، وما كان يمكن للصين أن تحقق الوضع الاقتصادى الحالى، وهناك دول مثل سنغافورة ودول آسيوية أطلقت برامج مختلفة، الوضع فى مصر يتطلب برامج تتعامل مع الواقع الاجتماعى، ويربط المشروع الجديد، الحافز بالتنظيم، مع توعية وإشراك الحكومة مع المجتمع المدنى.
ويفترض أن تكون قضية السكان باعتبارها قضية قومية تخص الجميع، مجالا لحوار عام وجزء من الحوارات المجتمعية، بجانب غيرها، بحيث تتضمن بالفعل توعية وحملات، وأيضًا تقديم الحوافز والمخاوف معًا فى التعامل مع أمر يخص الحاضر والمستقبل.
اليوم السابع