في ظل موجة الغلاء العالمية، وارتفاعات الأسعار التي شملت كل السلع والمنتجات، نظراً لعدة أسباب، أهمها الحرب الروسية الأوكرانية، وارتفاع معدلات التضخم ومشكلات سلاسل الإمداد بعد جائحة كورونا، بدأت بعض أصناف الأدوية تختفي من الأسواق، خاصة تلك التي تحتوي على مادة الكورتيزون وتدخل في علاجات أمراض متعددة، نتيجة رغبة الشركات المنتجة في إعادة تسعيرها بصورة تتناسب مع ارتفاع الخامات والمكونات الأساسية فيها، التي غالباً تأتى بالعملة الصعبة من الخارج.
من حق الشركات أن تطالب بتحريك أسعار أصناف معينة من الأدوية بما يتناسب مع الظروف والمستجدات العالمية، فليس مقبولاً أن "تبيع بالخسارة"، لكن أيضا لا يمكن أن تتوقف فجأة عن الإنتاج وتختفي الأصناف التي كانت تنتجها بين عشية وضحاها، فما ذنب المريض الذي يعاني مرضاً مزمناً من توقف هذه الشركة أو تلك عن الإنتاج بصورة مفاجئة لاعتبارات مادية، بالإضافة إلى أن بعض الصيدليات " خاصة السلاسل" تمارس دوراً في إخفاء هذه الأدوية للاستفادة من بيعها بالأسعار الجديدة!
أخلاقيا وقانونياً يجب أن تلتزم الشركة المصنعة للدواء بضرورة توريد الأصناف المتفق عليها للصيدليات والمستشفيات، والحرص على وجودها ووفرتها في الأسواق، حتى تنتهي من مفاوضاتها مع هيئة الدواء المصرية ووزارة الصحة المتعلقة لتحريك ورفع الأسعار، لكن ما يتم هو أن الشركة المصنعة تتوقف عن الإنتاج بصورة مفاجئة، أو تخزنه لحين الحصول على الموافقات الخاصة بالزيادات، حتى تضغط على السوق من جانب، وتجبر الحكومة على قبول نسب الزيادات من جانب آخر، وهذا منطق لا يمكن قبوله في قضية تتعلق بتسويق الأدوية.
الأدوية سلعة استراتيجية تخضع لتسعير جبري، حتى لا تتحكم فيها احتكارات معينة أو فوضي التسعير من جانب الشركات، وسلاسل الموردين، لذلك بات ضبط هذه السوق أمر حيوي وضروري يتعلق بحقوق المرضى، فلا يمكن أن يصبح التسعير فيها حراً مثل أي سلعة أخرى، لذلك يجب أن تتدخل هيئة الدواء المصرية ووزارة الصحة للتواصل مع الشركات العاملة في مصر وتعويض نقص بعض الأصناف في الأسواق، وسرعة الانتهاء من عمليات التسعير الجديدة.
لا يمكن أن يتحمل المريض الوقت المستغرق في عمليات التفاوض الطويلة بين هيئة الدواء والجهات المعنية في الدولة والشركات المصنعة للأدوية، فيجب أن تكون هناك آليات واضحة تضمن حصول المريض على الدواء بالسعر المناسب وعدم نقص أصناف معينة، خاصة إن كانت تخدم شريحة كبيرة من المرضى، وتعتبر علاجات يومية لا يمكن الاستغناء عنها خوفاً من المضاعفات والمخاطر المحتملة، لذلك نحتاج تحرك سريع في مثل هذه القرارات من أجل صحة المواطن، فهذا أمر لا يمكن أن يخضع للتسويف أو الانتظار، مع ضرورة الرقابة الفعالة على خطوط الإنتاج وضمان استمرارها في ضخ الكميات اللازمة للأسواق، ودراسة نسب الزيادات المستحقة في أسعار الأدوية، فالمريض الذى يتابع موجة الغلاء العالمية وقفزات الأسعار يوماً بعد الآخر لن يتأخر عن شراء الدواء إذا ارتفعت أسعاره 10 أو 15 %، فهذه قضية لا تقبل خيارات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة